لازالت ليبيا لم تتعاف من جراحها بعد، فرغم نجاح أبنائها في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وانطلاق عملها على أرض الميدان، إلا أن الكثير من العراقيل تقف عائقا أمامها، لاسيما ما تعلق بالعلاقات الخارجية، في ظل التواجد الأجنبي منذ إسقاط نظام معمر القذافي، وانتشار الميليشيات والمرتزقة وفوضى السلاح، وتهافت مختلف القوى الدولية على الانتفاع بخيرات ليبيا، خاصة موارد النفط وباقي المناجم. وفي غياب مؤسسات دولة وقوى سياسية ليبية خالصة تساهم في الانطلاقة نحو مستقبل واعد، يسعى الليبيون إلى التحضير لتنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر القادم، لتأسيس نظام حكم جديد يؤسس لدولة المؤسسات، بمشاركة الجميع دون إقصاء أو تصفية حسابات. وللاطلاع أكثر على الوضع الليبي وما يدور بمحيطه، أجرت يومية “منبر القراء”، حوارا مع السياسي والاقتصادي الليبي “أشرف الثلثي” باعتبارهفاعلا مهما في الشأن الليبي ومرشحا لخوض غمار الرئاسيات الليبية المقبلة، فكان الحوار التالي:
الانتخابات الرئاسية قبل نهاية السنة الجارية. هل ترى أن الوقت كاف للقيام بذلك؟
الموعد النهائي للانتخابات الشاملة الرئاسية والتشريعية وهو يوم 24 ديسمبر، هو موعدا كافيا، ولكن تبقى هناك تحديات من الناحيتين اللوجيستية والأمنية. في 7 جويلية 2012 كانت نفس التحديات تقريبا، وأجريت الانتخابات وكانت ناجحة. الآن بعد مرور البلد بهذه الحروب والقلاقل والأزمات الاقتصادية، الكل في أمسّ الحاجة لحالة الاستقرار، وسيحدث الاستقرار بإذنه تعالى، عندما تكون هناك انتخابات نزيهة وشفافة، وتحت رقابة ودعم الأمم المتحدة والدول الداعمة للاستقرار. نأمل أن نصل إلى قادة، لهم رؤى ومشاريع وبرامج لانتشال البلد من هذه الفوضى، التي للأسف نمر بها في عديد القطاعات.
أحاديث تروج لعودة “سيف الاسلام القذافي” إلى الساحة السياسية. هل سيوحد الليبيين لو ترشح للرئاسيات؟
للأسف فاقد الشيء لا يعطيه، أولا “سيف الإسلام القذافي” الآن ليس لديه أي وجود سياسي، بل المعلومات تقول أنه مضطربا نفسيا، ويعاني من ويلات ما وقع أثناء الثورة، سواء من الاعتداء عليه أو معاملته. وكانت هناك فرصة ذهبية لِـ “سيف الإسلام” أثناء ثورة 17 فبراير، حيث كنت أنا معارضا لنظام الحكم في ليبيا، وكنا قابلين بسقف “سيف” آنذاك، السقف الإصلاحي ولكنه أضاع هذه الفرصة، بحمله السلاح في وجه الثوار المنتفضين ضد الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية وقتها. شخصيا أرى أن “سيف الإسلام” لا يمتلك الآن أية حلول للمأزق الليبي، بل بالعكس هو غير قادر على تقديم أي شيء، سواء من الناحية الاقتصادية أو التأثير. ورقة “سيف” احترقت بالكامل. ولا أرى له أي وزن أو أي دور سيقوم بلعبه في المرحلة القادمة.
مقتل رئيس التشاد بعد اغتيال منسق القبائل الأزوادية بمالي… ماهي قراءتكم الأولية للأحداث؟
مما لا شك فيه أن مقتل الرئيس التشادي هو أمر سيء على العمق الافريقي، خاصة دول الجوار. ونأمل أن يتم التلاحم مع الدولة الصديقة والجارة التشاد، لدعم الاستقرار خاصة من الدول المجاورة. وعدم استقرار التشاد هو انعكاس مباشر عليها، والمنطقة والقارة الإفريقية بأسرها. الكل يعرف أن التشاد تزخر بثروات طبيعية هامة، ولدينا مع التشاد شريط حدودي يصل إلى ما يقرب 1000 كم، وما يعرف بشريط “أوزو” يصل إلى عمق 100 كم. حيث حدثت حربا ليبية مع التشاد مع مطلع الثمانينات، والجميع يعرف هذه الحرب وويلاتها وما انجر عنها على الشعبين، فـ “ادريس دبي” لعب دورا أدى إلى ازدهار اقتصادي واستقرار. وبمقتله لا أحد يعرف أين ستصل الأمور، ولكن نأمل ونتمنى أن تستقر الدولة التشادية وألا تدخل في حرب أهلية، تكون لها تداعيات خطيرة على كافة دول الجوار.
هل هناك تخوف من تحرك المرتزقة بليبيا والمتمردين بالتشاد حاليا على الجهتين، في ظل التوتر بالتشاد وتزامنه مع عودة الأمن إلى ليبيا؟
التخوف دائما يبقى هاجسا، لازال هناك مجموعة من المرتزقة من المفروض أن تغادر في أقرب وقت، حسب توصيات الحكومة الجديدة “حكومة الوحدة الوطنية”، وقرار مجلس الأمن الأخير. لكن هذه التخوفات تبقى قائمة، الحكومة بممثلها رئس المجلس الرئاسي، أصدر تعليمات لأخذ الحيطة والحذر وإعلان حالة الطوارئ في الجنوب الليبي، تحوطا من التسريبات أو اضطرابات قد تقع. نتمنى أن تكون هذه التحركات الاحترازية في المستوى المأمول.
ما هي رؤيتكم للوضع بالساحل في ظل التطورات الحاصلة؟
هناك العديد من التحديات والرهانات الآن على الساحل، لا يمكن أن نغض النظر على التغيرات والأحداث التي تجري بالمنطقة بأسرها، حيث ارتدادات الربيع العربي وأيضا الأعمال العسكرية والاغتيالات التي تمر بها المنطقة، وأخر ما تم اغتيال الرئيس التشادي. هشاشة المنظومة الموجودة سواء من الناحية الاقتصادية، الأمنية، الصحية، التحديات جسام ملقاة على عاتق الشعوب والقادة. نرى ضرورة تأسيس اتحادات تتكاتف وتتضامن بها الجهود مغاربيا بوجه الخصوص، حتى نصل على بر الأمان ونستطيع مجابهة التحديات بطرق أفضل مما هي عليه الآن.
التغيرات الدولية على أرض الواقع بإفريقيا يتوازى مع انتفاضة شعوبها، لاسيما ضد الأوروبيين والشركات متعددة الجنسيات… كيف تفسر هذا؟ ما هي نظرتكم لمواقف هذه القوى لاسيما فرنسا ودورها فيما يحدث؟
الوضع تسوده الاضطرابات، إذا ما رأينا من الناحية الإفريقية، سد النهضة والخلافات الموجودة بين أثيوبيا ومصر، وتسيس هذا المشروع الاقتصادي والنزاع على حصص المياه وما إلى ذلك. نحن نتكلم على أكبر دولة في الشمال الإفريقي “مصر” وتعداد سكانها يفوق 100 مليون نسمة، وهذا له تداعيات سلبية على المنطقة كلها. وإذا ما نظرنا إلى الشق الثاني من السؤال دور الشركات المتعددة الجنسية، يعني الشركات التي تعاقدت في العهد السابق، يجب إعادة النظر ومناقشة بنود هذه المعاهدات أو الاتفاقيات أو حتى العقود. بحكم أن الفترة التي مررنا بها لم تتسم بالنزاهة اللازمة. من جانب آخر، أي شيء تعهدوا به من أيام الاستعمار الفرنسي يجب أن يعاد فيه النظر سواء بالأسعار، سواء بتثبيت البنود. وفرنسا تلعب دورا محوريا في المنطقة، يعني الثقافة الفرنكفونية المؤثرة في الدول المغاربية باستثناء ليبيا، لها جذورها ولها تأثيراتها وانعكاساتها. لسنا ضد أي فكر أو ثقافة، لكن العالم الآن يتجه نحو اللغة والثقافة الإنجليزية، حيث أن أساس هذه الثقافة هي الطب، الفكر والأعمال أيضا.
هناك حديث عن سعي القوى الدولية إلى تأجيج وضع الأقليات أو القبائل بالساحل والضغط لاقتطاع أجزاء من مالي، النيجر، التشاد، ليبيا والجزائر لتشكيل دويلة جديدة، باطنها ثروات طبيعية هامة، تستنزفها عبر شركاتها الاستثمارية. ما مدى تأييدكم لهذه النظرة؟
شخصيا أنا ضد نظرية المؤامرة، العالم اليوم يسعى للإستقرار وليس التقسيم وخلق دويلات جديدة، التعامل الاقتصادي والتعاون قائم على قوانين واتفاقيات ومؤسسات. يعني انتهينا من فكرة مطلع القرن التاسع عشر، الاستعمار العسكري والاقتصادي، أي هناك أسواقا عالمية مفتوحة على الجميع. كل ما يتطلبه الأمر وجود قيادات اقتصادية، تمارس ما يعرف بالديبلوماسية الاقتصادية للحفاظ أو لتحقيق مصالح الشعوب. ولكن أن يكون هناك من يتآمر للتقسيم وجعل مدنا أو أقاليم تنفصل، ثم يتم إحضار شركات احتكارية، انتهت هذه الحقبة إلى الأبد. علينا أن نتخلص من عقلية المؤامرة، وأننا ضحايا والعالم يتآمر علينا. للأسف الشديد، بعد الثورات التي مرت علينا، اتضح جليا حتى لرجل الشارع، بأن المتآمر الأول هم من كانوا يحكموننا بالدكتاتورية وبالقضايا الوهمية.
لازال الخوف من دواعش ليبيا إلى اليوم، مع دعوات للقضاء عليهم سريعا ما هي آليات التخلص منهم؟
الدواعش في طريقهم للزوال، يعني معركة “البنيان المرصوص”، التي شهد لها القاصي والداني وبدعم أمريكي جوي، تم القضاء على ما يعرف باسم “الدولة الإسلامية” في سرت، حيث كان التهديد حقيقيا للبلاد ودول الجوار إذا ما نجحت. فالقوات الليبية المتمثلة فيما يعرف بقوات “البنيان المرصوص”، تحت رعاية حكومة الوفاق آنذاك، قامت بدور محوري في اجتثاث قلب دولة الدواعش. فهناك فلول لازالت بالصحراء على ما اعتقد ولكن الآن يجب ألّا تتم الاستهانة بأي وجود لها، لأن الكل يعرف الأساليب الخبيثة التي تنتهجها هذه الحركة التكفيرية، فلا أرى أن هناك خطورة كبيرة، فليبيا بيئة طاردة للفكر المتطرف، وليس هناك أية حاضنة شعبية لمثل هؤلاء الأشخاص، للأسف معظمهم أتوا من دول أخرى. فمعظم قياداتها غير ليبية. وكانت المعركة التي حدثت في 2017 معركة حاسمة، تم فيها القضاء على قيادات ومقر الدواعش بليبيا.
ليبيا اليوم بحاجة إلى إعادة إعمار، أنتم شخصيا سعيتم لدى إيطاليا تحديدا. أين وصلت عملية التشاور؟
إعادة الإعمار في ليبيا، ستكون عملية طويلة ويسودها العديد من التحديات، فحجم الدمار والأضرار التي وقعت بها، منذ انطلاق ثورة 17 فبراير 2011، كبيرة خاصة الحرب الأهلية الأخيرة. أضرت بعديد القطاعات خاصة السكنات، الطرقات، الجسور البنية التحتية بصف عامة، الوضعية الصحية والتربوية وأمن الحدود والمؤسسة العسكرية. إعادة الإعمار ستكون كبيرة جدا، وتتطلب تكاتف جهود دول الجوار بصفة عامة والدول الشقيقة المغاربية بصفة خاصة. فيما يخص الدور الإيطالي، إيطاليا لها ميزانية تقدر بـ5 مليار أورو، هي تعويض عن فترة استعمار، في اتفاقية أبرمت في 2008 مع ليبيا آنذاك، والآن ستفعل هذه الاتفاقية في شكل مشاريع للبنية التحتية. مؤخرا تم إبرام عقد لبناء أو تعبيد طريق سيارة سريع على الساحل الليبي يربط مصر بليبيا وتونس، طول الطريق 1700 كم بشبكة من الفضاءات ومحطات الخدمات وما إلى ذلك، هذه إحدى نتائج هذا التعاون. أنا مؤسس ونائب رئيس للجمعية الليبية الإيطالية لتنمية الأعمال “إيلبدا ILBDA”. فلدينا علاقات اقتصادية جيدة مع الدولة الصديقة إيطاليا، وهناك اهتماما كبيرا من المؤسسات الاقتصادية الإيطالية ورجال الأعمال لدخول السوق الليبية. وحاليا يتم التحضير لتنظيم منتدى اقتصاديا مشتركا، ليبيا إيطاليا تونسيا، ستحتضنه تونس العاصمة يومي 7 و8 جوان القادم.
أكثر من 2 مليون ليبي يعيشون بتونس، كيف ترون التعاون الليبي التونسي، لاسيما سياسيا واقتصاديا؟
التعاون الليبي التونسي هو تعاونا مثمرا، وتعاونا نموذجا إذاما قورن بعديد دول الجوار. هناك علاقات وأواصر بين الشعبين الشقيقين الليبي والتونسي، وهناك مصالح اقتصادية ومصالح ثقافية ووحدة المصير، وهناك تعاون وتفاعل مثمرين جدا. فعدد المتواجدين بتونس أشكك في رقم 2 مليون ليبي، لأن تعداد سكان ليبيا تقريبا 6 مليون نسمة، ونحن نتكلم عن الثلث للشعب الليبي بتونس، فهذا عددا مبالغا فيه. هناك ما يقارب 200 ألف ليبي يمتلكون عقارات بتونس، وهذا معقولا. وهناك أيضا اتفاقيات ثنائية تحدد حرية العمل، التنقل والإقامة بين البلدين، فالتعاون بين تونس وليبيا، كان ولازال وسيتطور إلى آفاق أفضل وشراكات أنجع وأبعد.
مصر هي الأخرى، لها رغبة بالمساهمة في إعادة إعمار ليبيا، ما هي درجة التوافقات معها؟
من حق دول الجوار المساهمة في مرحلة إعادة الإعمار، ومصر تربطنا بها علاقات قوية جدا تاريخيا وحاضرا ومستقبلا. من أكثر العمالة المنتشرة في السوق الليبية، سواء في حالة الاستقرار أو اللااستقرار هي العمالة المصرية، فالعمالة المصرية هي الامتثال للعمل وجديتها، كذلك طبيعة المصريين كشعب وطيبته وحبه لليبيا وهذه المشاعر متبادلة. ومصر لديها رأس مال بشري كبير، تعدادها يفوق 100 مليون نسمة، ولديها كفاءات وفهم للسوق الليبية ومتطلباتها، فالوجود المصري سيكون له دورا محوريا.
رغم التاريخ والحدود مشتركة بين الجزائر وليبيا، لكن العلاقات بين الشعبين فاترة إن لم نقل باردة. ما هو السبب برأيكم؟
هذه حقيقة، هناك حدود مشتركة وعلاقات تاريخية مميزة، لدينا ما يقارب 1000 كم حدود ليبية جزائرية، وعلاقات تاريخية على غرار الحرب الفرنسية حيث كان الأشقاء بالجزائر يتعاملون مع الليبيين، كدعم وتعاون في محاربة الاستعمار الفرنسي آنذاك، وهذا ترجم في حملات دعم وتبرع وجمع مساعدات كل ما يحتاجه جيش التحرير وقتها. ولدينا شخصيات معروفة كالراحل “يوسف مادي” وغيره، وقد تطرق المناضل الجزائري “يوسف مشحود” في مذكراته إلى جزء من الدور الذي قام به الليبيين خلال الثورة التحريرية.
الفتور والبرودة الآن، الشعوب تربطها مصالح اقتصادية وليس عواطف اجتماعية، العاطفة موجودة والميول موجود أيضا، لكننا لا نرى هذا التفاعل على المستوى الاقتصادي، وهذا ناتج عن التقصير في مؤسسات الحكم، أثناء حكم القذافي والنظام السابق بالجزائر، فلم يترجم في اتفاقيات ثنائية لتسهيل التنقل والاستثمار والعمل والتبادل الثقافي وما إلى ذلك. نحن اليوم نسعى إلى إقامة سوق مغاربية مشتركة، سنرى التفاعل المغاربي والتفاعل الليبي التونسي الجزائري المشترك، وسيكون ماردا ينطلق من جديد ليبني صرح النهضة الاقتصادية لتأمين ظروف حياتية ومعيشية أفضل مما نمر به الآن.
تم منذ مدة فتح معبر الدبداب لتسهيل الحركية التجارية بين البلدين. هل هناك تنسيق لاستثمار جزائري بليبيا وإن وجد هل من أمثلة؟
فتح الحدود كانت مبادرة ممتازة، والجزائر تتمتع بقلاع صناعية كبرى وشركات عالمية، إذا ما رأينا، لِمَ لا نقوم بتوأمة مع مؤسسة سوناطراك الجزائرية مع المؤسسة الوطنية للنفط NOC، وكذلك البنية التحتية الجزائرية والشركات الجزائرية الكبرى، في نفس الوقت المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تعتبر متفوقة جدا، إذا ما رأينا الجانب الصناعي والتقني والتدريبي، فنأمل أن نرى اتفاقيات وعقود من طرف الدولة الشقيقة الجزائر. وفي حقيقة الأمر هناك عدم تفعيل لهذه المؤسسات في إطار مشترك. علينا أن نسعى لتأسيس أجسام وكيانات تفعّل الحركة والتبادل والتوأمة بين القطرين الشقيقين. وأنا أسعى إلى أن نرى مستقبلا سوقا مغاربية مشتركة، تكون نواتها ليبيا، تونس والجزائر، إذا ما نجحنا في تأسيس هذا المثلث، فهناك تكاملا طبيعيا من حيث رؤوس الأموال واليد العاملة الفنية، وكذلك أهمية وموقع هذه السوق. نأمل أن نقوم بأكثر تفعيل وأكثر لقاءات ولِمَ لا نسعى إلى تأسيس منتدى اقتصادي قار، يبدأ بالدورة الأولى “المنتدى الليبي الجزائري التونسي”، وتكون هناك لقاءات وورشات عمل تجمع رجال الأعمال وصناع القرار.
كيف هي العلاقات الرسمية بين البلدين أثناء وبعد حكم القذافي؟
العلاقات الجزائرية أثناء حكم القذافي، كانت علاقات مقبولة إلى حد ما. أعتقد كانت اتفاقيات عسكرية ولكن لم تكن مفعلة على أكمل وجه، وكان فيه ما يعرف احترام حسن الجوار، وكان هناك نوعا من الاحترام المتبادل من الطرفين، حيث طيلة حكم القذافي لم تحدث أية مشاكل مع الجزائر، مثلما هو الحال مع تونس ومصر، حيث تدخل القذافي في أحداث قفصة في العمق التونسي، في محاولة الإطاحة بنظام الراحل “الحبيب بورقيبة”، وأيضا كانت هناك حربا في السبعينات، أعتقد في 78 مع حكم السادات. لكن لحسن الحظ، القذافي لم يتطاول على الجزائر آنذاك. ما بعد الثورة الليبية ،علاقات جيدة، الجزائر لعبت أدوارا في محاولة لاسترجاع الاستقرار، وعدم تعرض ليبيا لمحاولات التقسيم والفتن، ومحاولات التدخلات الإقليمية لبعض البلدان في الشأن الداخلي. الجزائر كقوة إقليمية واقتصادية وعسكرية، حافظت على حسن الجوار، وتدخلها انحصر دوما في رأب الصدع بين أبناء البلد الواحد.
ما هي رؤيتكم المستقبلية للعلاقات الثنائية؟
علينا السعي لتوطيد هذه العلاقات في شكل برامج مشتركة واتفاقيات اقتصادية مشتركة وتوأمة بين مدن البلدين، وفود ثقافية واتفاقيات تسهل مرور المسافرين والبضائع وسلاسة تدفقها للقطرين، وتوحيد بعض المؤسسات الكبرى مثلا سوناطراك مع المؤسسة الليبية للنفط. والاستفادة من الخبرة الجزائرية العسكرية، وكيف نجحت الجزائر في توحيد مؤسساتها والتخلص من آثار العشرية السوداء والقضاء على جيوب الإرهاب والعفو الذي أحدثته الحكومة آنذاك، فالجزائر مرت بخبرة مميزة وكوادر وكفاءات الجزائر الشقيقة، هي مثالا يحتدى به ليس على مستوى ليبيا فحسب بل على مستوى العالم بأسره
ما هي قراءتكم للساحة المغاربية ؟
أراهن على شباب الساحة المغاربية، فضاؤنا المغاربي يزخر بطاقات بشرية عظيمة، رأينا شبابنا في الاتحاد الأوروبي يتقلدون المناصب والوظائف الحساسة والفنية، وأيضا بالو.م.أ أطباء، أساتذة جامعات، مختصين في مراكز البحوث. لدينا رأس مال بشري عظيم، ونزخر بتنوع ثقافي كبير. وفضاءنا المغاربي بوتقة انصهار عديد الحضارات الأمازيغية، الإفريقية، المتوسطية، العربية، الإسلامية، المسيحية واليهودية، جعلت من سكان هذه المنطقة، يتميزون بالعديد من القدرات على التعلم والتكيف مع الثقافات والحضارات الأخرى. أرى مستقبل زاهر في ظل قيادات قادمة، تكون لها رؤى ومشاريع تمتد خارج أقطارها وتفكر لتبني مغاربيا.
مبادرة اتحاد المغرب العربي الكبير ولدت ميتة، ما سبب وأدها في مهدها؟
بدون شك ولدت ميتة ووئدت في المهد، الإجابة أن القادة آنذاك لم يكونوا صادقين بل هدفهم الأسمى البقاء في كرسي الحكم، القذافي 42 سنة وما قبله 20 و14 و18 سنة، فلم تكن لهم نوايا صادقة والأهم لا يثقوا في بعضهم. لأن آلية الحكم كانت مكتسبة بالقوة أو بالانقلابات، وبالتالي لا يمكن أن تكون هناك نظرة مغاربية موحدة، حتى في التسمية “المغرب العربي” فيه مساس بمقومات ومكونات هذا الفضاء الرحب الكبير، فهناك المكونات المختلفة من الأمازيغ والأقليات الأخرى بالمنطقة. وعدم نجاح الاتحاد ناتج عن عدم وجود إطارات قائمة على أساس ترجمة تطلعات الشعوب وخلفياتها، واستثمار القواسم المشتركة ونبذ ما يخلق الإختلاف.
هل هناك سبل أخرى لخلق اتحاد مغاربي بصيغة جديدة؟
السبل الأخرى هي التوجه إلى التوأمة بين المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات، خلق مراكز للتفكير الاستراتيجي، والسعي إلى إبرام اتفاقيات على مستوى البلديات أو المحافظات بين الدول هذه ضرورة ملحة جدا، تأخرنا في إنجاحها. ومتأكد أن هذه الرغبة هي ترجمة لرغبة الملايين من شعوب المنطقة.
جائحة كورونا أثبتت فشل الأنظمة العربية وانعدام قاعدة صحية واقتصادية زيادة على السياسة، والدليل أنه ولا بلد عربي أطلقت مخابره مشاريع بحث لإيجاد علاج الكورونا، وجميعها تنتظر رحمة الدول الأجنبية، هل تظن أن هذه السقطة، ستكون انطلاقة لتغير أنظمتنا طريقة نظرتها لنخبته وتفتح مخابر البحث في شتى المجالات؟
جائحة الكورونا كانت امتحانا لضعف دولنا ولفشل مؤسساتنا في الوصول للقاح ضد هذه الجائحة، نحن الآن في شبه شلل كلي، وحدودنا شبه مغلقة، ونحن اليوم تحت رحمة الشركات المصنعة الكبرى، المتمثلة في “سبوتنيك” الروسية، “جونسون آند جونسون” الأمريكية، و”استرازينيكا” البريطانية، واللقاح الصيني وغيرها. لو كانت هناك مختبرات ببلداننا أو على الأقل بالفضاء المغاربي، لتمكنا من الوصول إلى هذا العقار، لرجعنا بالتدريج إلى حياتنا الاعتيادية أفضل مما هو موجود الآن، فهناك معاناة على كافة الأصعدة المعيشية، الصحية بكل دولنا. فهذه سقطة كبيرة وقد تقودنا إلى كارثة تهدد بقاء شعوبنا، كما نرى الآن في الهند أو ما يعرف بالسلالة الهندية. وأمام هذه المعطيات أكرر لا مناص من التوجه إلى السوق المغاربية الموحدة. كما أنني أحيي الجزائر على مبادرتها بتصنيع اللقاحات في الأراضي الجزائرية. حيث ستكون الجزائر دولة المليون ونصف المليون شهيد، من يقدم “إكسير الحياة” اللقاح المضاد لكوفيد 19، للمنطقة المغاربية وإفريقيا.
مغاربيا، هناك عدم اهتمام الشعوب ببعضها، ما هي هذه الدوافع؟
عدم اهتمام الشعوب المغاربية ببعضها هذا ناتج عن الفترات التي مرت بها هذه الشعوب من حكم العسكر والديكتاتوريات، فكان كل نظام يسعى إلى الحفاظ على كرسيه، ولم تكن نوايا صادقة في تطوير التفاعل وخلق فضاءات مغاربية رحبة لاستيعاب الكل، سواء في شكل تعاون اقتصادي، عسكري، فني، تقني وعلمي، فهذه ارتدادات أكثر من نصف قرن من التجاهل والإرتباط بدول أخرى، فضلا عن الارتباط الطبيعي للفضاء المغاربي والثقافة مغاربية وهي مميزة جدا. فهي تعتبر بوتقة انصهار للحضارة المتوسطية، الإفريقية، الأمازيغية والعربية، فهذا الفتور له مسبباته ونحن ندركها جيدا، لكن الآن نحن متأكدين أن القادم أفضل، بعدما أصبحنا نتحدث بحرية ونعبر على ما يدور في عقولنا من أفكار وتطلعاتنا، فأولا لما يكون هناك مشاكل نتحدث عنها وهو ما يعرف بالشعور العام ثم نشخص، ثم نخطط ونعالج، ثم التقييم والتقويم في آن واحد إلى غاية بلوغ الأهداف المنشودة التي نأمل أن تكون سوقا مغاربية مشتركة.
ما هو مصير المنطقة المغاربية في ظل التحولات الدولية الحاصلة ؟
إذا ما استمرينا كمنطقة مغاربية في هذا التقاعس وهذا الفتور والتباعد والتشكيك، بدون أدنى شك سنواجه مصير لا تحمد عقباه، مصير سيكون أرضا خصبة للتهريب، الهجرة غير الشرعية والفقر والحساسيات وتدني المستوى المعيشي والتطرف وما نعانيه الآن عموما. فعلينا كما قلت سابقا العمل على توفير الظروف الجيدة للأجيال القادمة. والتوحد لمجابهة التحديات الأمنية والعسكرية، الإقتصادية والتعليمية. نحن بمنطقة حساسة، نحن بافريقيا تقابلنا أوروبا وكذلك الشرق الاوسط، فنحن بموقع جد هام، لهذا لا يمكننا اعتماد سياسة النعامة، نضع رؤوسنا في الرمل ونتظاهر بعدم اهتمامنا بما يجري حولنا. هناك أزمات في الأمن الغذائي، الصحي وحاليا الكورونا ومستقبلها المجهول. وتركيبتنا الشبابية تستدعي خلق مؤسسات تليق بهذه التركيبة، بدل الرمي بهم في عرض البحر، وحتى وصولهم إلى الضفة الاأخرى يخلق لديهم مشكل صعوبة الإندماج في مجتمعاتها.
أنت ممثل مبادرة محاربة خطاب الكراهية والتنمر مغاربيا، المبادرة التي أطلقتها كلية الإعلام بجامعة بن غازي. كيف ستروجون للفكرة مغاربيا؟ ما هي آليات تجسيدها ميدانيا؟
اغتم الفرصة لشكر الدكتور “حسن جاب الله” وندعو له بالشفاء العاجل، والقائمين على كلية الإعلام بجامعة بن غازي. هذه المبادرة وإن أتت متأخرة، فأن تصل متأخرا أفضل من ألا تصل. في هذه المبادرة كلفت أن أكون ممثلا لها على المستوى المغاربي، لدي بعض التواصل مع وسائل الإعلام التونسية وحضرتكم بالجزائر، سيكون خلق وعي شامل لهذه المبادرة. الآليات تتمثل في الوصول إلى ميثاق شرف يوقع عليه في إطار نقابة الصحفيين بليبيا، لنبذ خطاب الاستفاف والكراهية. والالتزام بالقيم المهنية لهذه المهنة الراقية، والمعروفة بأهم عوامل القوة المتمثلة في ثلاثة المال، الإعلام والقوة العسكرية أو ما يعرف بالسلطة الرابعة، فالإعلام له دورا محوريا في حركة الشعوب وفي حالتي السلم والحرب.
كيف ترى العلاقات الليبية المتوسطية مستقبلا؟
العلاقات الليبية المتوسطية مستقبلا ستكون مزدهرة ومتطورة، لأن متطلبات المنطقة والتفاعل المناطقي والطبيعي لليبيا، غير أنها تكون جزء من هذا الوسط في التعامل المتوسطي. نحن نمثل الضفة الجنوبية للمتوسط والضفة الشمالية التي تمثل أوروبا، فنحن في أمس الحاجة للاستفادة من شعوب المتوسط وهذه الحضارة الزاخرة بالعلوم، والكل يعرف أن الضفة الشمالية حققت رخاء اقتصادي ومعيشي كبير، نأمل أن يكون لنا قدوة وهناك مصالح مشتركة بين دول المتوسط
هل ستكون هناك خاصية لليبيا تجعلها تتجه نحو التعاون الإفريقي قبل الدولي أم ستخضع لنفس بوصلة المنطقة؟
ليبيا افريقية فليس هناك أية خاصية، فخلال النظام السابق كان التوجه افريقيا وحصدنا صفر على الشمال. التوجه سيتبع ما تحدده بوصلة المنطقة، فهم لديهم التكنولوجيا، فعلينا تنظيم بيتنا المغاربي أولا ثم نتجه إلى الدول التي ستقدم لنا الدعم الفني، التعاون الاقتصادي، وهذه ستكون بثمنها. لهذا علينا أن نكون قوة اقتصادية موحدة، نتفاوض ككتلة ونجني الثمار كمجوعة مشتركة.
كلمة أخيرة
نأمل كل الخير لشعوبنا والبشرية وعلينا تأمين مستقبل زاهر لأجيالنا القادمة، بينما نرى يوميا بناتنا وأبناءنا يرمون بأنفسهم في البحر، أملا في مستقبل أفضل ببلدان غير بلداننا، وتوفير ظروف تحفظ لهم كرامتهم وتعطيهم حقوقهم الاجتماعية، التعليمية والاقتصادية، ففضاؤنا زاخر بالإمكانيات، أهمها العقول، كما أنه علينا استرجاع العقول المهجرة، وتأسيس صرح ثقافي علمي موحد، يسعى إلى ترجمة تطلعات شعوبنا التي حكمت بقيادات انفرادية وشبح الخوف. شعوبنا قالت كلمتها وكسرت جدار الخوف، الآن لدينا حرية التعبير وحرية التأسيس وحرية التنقل، فنسعى إلى ترجمة هذه الحريات إلى أفكار، وخطط تشمل استراتيجيات تجسد على الواقع.
وبما أنني سأتقدم إلى ترشيحات الرئاسيات الليبية القادمة، فبرنامجي الانتخابي سيضم أسسا للعمل مع دول المنطقة لخلق لبنة تأسيس سوق مغاربية مشتركة، تكون لبنتها الأولى ليبيا، الجزائر وتونس.
حاورته: ميمي قـلان _ منبر القراء الجزائرية