أ. د. عبدالله شامية
يمكننا تلخيص واقع الاقتصاد الليبي من خلال سرد مجموعة المشاكل والمختنقات التى يعانيها الاقتصاد الليبي حالياً، والتي تحتاج إلى وضع سياسات علمية ممكنة فعّالة، واضحة المعالم والأهداف، بحيث يكون إقرار هذه السياسات في إطار مرحلي محدد وبآليات تنفيذ واضحة تسهم في الحد منها وإنهائها، وأهم هذه المشاكل والمعوقات هي
افتقاد الاقتصاد الليبي إلى الرؤية الاستراتيجية
أي عدم وجود رؤية استشرافية واضحة للاقتصاد الليبي طويلة الأجل تحدد مساره، يجري التجمع حولها والاتفاق عليها، وتتبنّاها جميع المؤسسات والهيئات وجميع القطاعات الاقتصادية ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي
القصور في البنية التحتية
هناك حاجة واضحة لتطوير البنية التحتية من خلال برامج واسعة للصيانة مع ضرورة العمل على تنفيذ مزيد من مشاريع البنية التحتية خصوصاً فيما يتعلق بالطرق والمواصلات ووسائل الاتصال والمياه والصرف الصحي
الاختلال الهيكلي في بنية الاقتصاد مشكلة الاعتماد على النفط
تتمثل ظاهرة الاختلال في بنية الاقتصاد الليبي في كونه اقتصاداً أحادياً يعتمد بدرجة كبيرة على إيرادات النفط في تمويل مختلف نفقات الدولة التنموية والجارية، إلى جانب تأثيره المباشر وغير المباشر في فعاليات الإنتاج بالقطاعات الاقتصادية كافة
ضعف الإدارة الحكومية
تمثل سيطرة الإيرادات النفطية على إيرادات الميزانية مظهراً من مظاهر ضعف الإدارة العامة الحكومية، ويتجسد ذلك في ضعف جهاز الضرائب، وجهاز الجمارك، فلا تبدو أن هناك جهوداً واضحة وفعّالة في جباية الإيرادات السيادية والمحلية بمختلف أنواعها
سوء الإدارة وظاهرة إهدار المال العام
شهدت السنوات الأخيرة إقرار سياسات مالية توسعية واستباحة غير مسبوقة للمال العام، مع تفشي ظاهرة اختراق القوانين التي تزامنت مع ظاهرة عدم الاستقرار الإداري في هيكل الإدارة الحكومية (الوزارات وما في حكمها) وذلك منذ عقد السبعينيات.
أدت هذه الظواهر إلى انتشار الرشوة والمحسوبية وضعف الأداء وضعف أو انعدام الشفافية وســوء الإدارة وضعف الخدمات التعليمية والصحية حيث أدى ضعف الإدارة إلى ضعف الخدمات التعليمية والصحية مقارنـــة بالعالم المتقدم، وهذا بدوره أدى إلى مزيد من إهدار المال العــام المتمثل في العلاج منذ عقود عدة
ضعف أداء السياسات الاقتصادية
يتجسد ضعف أداء السياسة الاقتصادية في قصور هذه السياسات عن تحقيق أهدافها، وعدم فعالية أدواتها المختلفة، ولا شك في أن ضعف أداء السياسة الاقتصادية هو نتيجة طبيعية للتخبط والضبابية وغياب الرؤية الواضحة لمستقبل الاقتصاد، وعدم تناغم السياسات الاقتصادية فيما بينها حيث لا توجد أهداف ومعالم واضحة ومشتركة للسياسات الاقتصادية، وكل منها تعمل بمعزل عن الأخرى
ضعف مساهمات القطاعات غير النفطية
حيث بقيت مساهمات القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات منخفضة جداً، حيث بلغ متوسط مساهمة قطاع الزراعة خلال الفترة الماضية نحو 2.7%، وقطاع الصناعة التحويلية 2.2%، وقطاع الخدمات العامة 22.5%. كما اتسمت معدلات النمو المحققة للقطاعات غير النفطية بالانخفاض
تدني حجم وإنتاجية رؤوس الأموال
تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الليبي يعاني تدنياً واضحا في حجم وإنتاجية رؤوس الأموال المستثمرة في القطاعات غير النفطية، بسبب سوء التنفيذ أو سوء التشغيل لمختلف الاستثمارات الموظفة لاسيما في مشروعات القطاع العام، ونتيجة لسياسات النظام السابق في امتلاك وسائل الإنتاج، فقد انخفضت مساهمة القطاع الخاص في الإنتاج وفي تكوين رأس المال الثابت المحلي وأصبح دوره محدوداً في النشاط الاقتصادي، في ظل اتساع دائرة القطاع العام وهيمنته على النشاطات الإنتاجية والخدمية لاسيما خلال عقد الثمانينيات
ضعف أداء القطاع المصرفي
يعاني القطاع المصرفي مشاكل عدة أهمها تدنى دور القطاع المصرفي في الوساطة المالية مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والمالي للبلد، وتضخم السيولة بالقطاع المصرفي، ومحدودية أدوات إدارة السيولة وضعف أو عدم الاستفادة منها في خدمة الاقتصاد الوطني
مشكلة التضخم
يعاني الاقتصاد الليبي من ارتفاع معدل الزيادة السنوي في المستوى العام للأسعار الذي بلغ معدله 9.5% خلال العام 2012، وترجع أسباب التضخم إلى مجموعة من العوامل يتعلق بعضها بجانب الطلب ويتعلق بعضها الآخر بجانب العرض، وبالرغم من ذلك لم تُتخذ خطوات فعالة لتحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار
النقص في الموارد البشرية المدربة والعمالة الماهرة
يعاني الاقتصاد الليبي، القليل في عدد سكانه، نقصا واضحا في العمالة المدربة الماهرة حيث انخفضت نسبتها في إجمالي عرض العمل وفي إجمالي عدد السكان. كما أن المجتمع الليبّي يعتبر مجتمعاً فتياً وترتفع فيه نسبة من هم في سن العمل من الشباب، كما يرتفع فيه معدل الإعالة بالنظر إلى حجم الأسرة الليبية الكبير نسبياً
ظاهرة البطالة
يعاني الاقتصاد الليبي من ظاهرة البطالة، وهي نتيجة أكيده لعدم قدرة القطاعات الاقتصادية المختلفة على استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل في مختلف المناطق مع غياب للسياسات الاقتصادية الموجهة نحو التخفيف من حدة هذه المشكلة، كما يعانى الاقتصاد الليبي كذلك تفشي البطالــة المقنعة المتمثلة في تضخم عدد العاملين في أجهزة الدولة ووحداتها الإداريـــة، وتدني كفاءة تقديم الخدمات العامة وانخفاض معدلات الأداء والإنتاجية بها
انخفاض مستوى الرفاه وانتشار الفقر
يعاني الليبيون تدنى مستويات الدخل، وانخفاض مستوى الرفاه الاقتصادي لكثير من الأفراد والأسر، ممن صاروا عند حدّ الفقر، ويرجع ذلك إلى سوء الإدارة المالية للدولة، وإلى الجمود الذي اعترى المرتبات لفترة طويلة في ظل ما يُعرف بالقانون رقم (15) لسنة 1981م واللجُوء إلى اتباع سياسات الدولة الراعية، التى تتكفل بتوفير السلع والخدمات وفرص العمل، وكذلك اتباع سياسات الدعم العيني للسلع، وما صاحبه من تسرب في الدعم ومن ثم عدم تحقيقه لمستهدفاته
الخلل في توزيع الدخل
برزت في الاقتصاد الليبي ظاهرة الخلل في توزيع الدخل بين السكان بوجه عام، حيث ظهرت فوارق طبقية في المجتمع الليبي، فوجدت طبقة مرفّهة، وتستحوذ على معظم الدخل، وهي تُشكل نسبة قليلة من عدد السكان، وطبقة تشكل نسبة كبيرة من عدد السكان تعاني تدنى مستوى دخلها وتدهور مستوى معيشتها، وفي الوقت ذاته لا تكاد توجد طبقة وسطى بالمجتمع، حيث انحسرت هذه الطبقة لعدم استهدافها بالسياسات الاقتصادية المناسبة واللازمة لتنميتها والمحافظة عليها
تخلف القدرات الإدارية والفنية والإنتاجية
يلاحظ تخلف القدرات الإدارية والفنية بمختلف القطاعات والاختناقات الناجمة عن عدم قدرة الاقتصاد على استيعاب وإدارة مثل المشروعات الكبيرة في مجتمع لم يصل بعد إلى الدرجة المناسبة من النضج في المجالات الإدارية والتنظيمية
ضعف الحافز على الاستثمار
كنتيجة لضعف الثقة في الاقتصاد لأسباب تاريخية تراكمية مثل أعمال الزحف على مؤسسات القطاع الخاص، وطريقة تغيير العملة، وفرض القيود الكمية على الواردات من مستلزمات التشغيل والخدمات الفنية وعدم احترام قانون العمل والقانون التجاري من قبل القطاعين العام والخاص، وتدنى استغلال الطاقات الإنتاجية في الأنشطة غير النفطية
ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية
تفشت خلال الفترة الأخيرة ظاهرة الفوضى في المنافذ الحدودية، دون استثناء، تمثلت في استمرار حالات التهريب للسلع والمحروقات والنحاس والخردة وغيرها من السلع المحظورة، والهجرة غير الشرعية رغم وجود قوانين وقرارات تمنع ذلك، كما استمر غياب تطبيق اللوائح الجمركية بالشكل السليم، وبما يضمن تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسات الاقتصادية
عدم وجود مناطق لمزاولة الأنشطة الاقتصادية
يعتبر الحصول على أرض أحد أهم المعوقات التى تواجه مزاولي الأنشطة الاقتصادية خاصة في ظل عدم وضوح السياسات واللوائح والإجراءات الحكومية الخاصة بإدارة وتنمية الأراضي، وغياب دور الحكومة في توفير أراضٍ بمواقع متميزة يتوفر بها خدمات بنية تحتية متكاملة للاستخدام الصناعي والتجاري مخططات صناعية ومناطق تجارية
ضعف البنية الهيكلية والقانونية للقطاع الخاص
عانى القطاع الخاص العديد من الممارسات الخاطئة تمثلت في عدم تكافؤ الفرص والتهميش والإبعاد المتعمد وغياب البيئة القانونية الملائمة لنشاطه مما أفرز قطاعاً خاصاً متردداً وغير ناضج، يعمل في بيئة غير ملائمة، وأصبح بذلك غير قادر على المساهمة الفعالة في توفير فرص العمل وزيادة الإنتاج والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية.
مشكلة الاقتصاد غير الرسمي
تنامي ظاهرة الأنشطة الاقتصادية خارج القطاع الرسمي، حيث يقدر نشاط الاقتصاد غير الرسمي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 40%. وبالرغم من مساهمة القطاع غير الرسمي في معالجة الكثير من المختنقات المترتبة على السياسات الاقتصادية إلا أن له آثاراً سلبية على الاقتصاد، من أهمها الممارسات غير القانونية ذات الأثر المباشر على الدخل والإنتاج، وصعوبة تطبيق أدوات السياسات الاقتصادية في توجيها الموارد، فضلاً عن أن تنامي حجم القطاع غير الرسمي يعتبر مؤشراً من مؤشرات التخلف
مشكلة التشريعات غير العادلة
بسبب تكييف كثير من القوانين والقرارات على أهواء النظام السابق، فقد لجأ كثير من الأشخاص “الطبيعية والاعتبارية” إلى التهرب من تلك التشريعات بشتى الطرق، الأمر الذي رسخ الفساد الإداري والمالي، في القطاعين العام والخاص. لذلك فالأمر يتطلب في المرحلة القادمة إعادة النظر في تلك التشريعات التى عرقلت المسيرة التنموية للاقتصاد الليبي