ابراهيم السنوسي
أصبح موضوع إقفال الموانئ و الحقول النفطية في الهلال النفطي وميناء الحريقة الشغل الشاغل للناس وأصبح الحديث فيه جزء أساسي من كلام أغلبهم هذه الأيام ويزداد النقاش والجدال فيه كلما ارتفع الدولار أو انخفض أو زادت أسعار السلع و الخدمات أو هبطت
ولأني مثل باقي أبناء شعبنا الكريم تجاذبت مع الكثير من الأصدقاء أطراف الحديث بل ليست الأطراف فحسب فقد غصت معهم إلى داخله فلم نترك شاردة و لا واردة عن النفط و الغاز و موانئ التصدير و مصافي التكرير و محطات الوقود و جودة زيوت السيارات و البنزين و الديزل و تهريبهما و عدد المهربين و دعم الوقود وعدد السيارات التي يمتلكها شعبنا و المقيمين معه معرجين على توقف النفط من سنة 2013 حتى 2017 بحجة “النفط يصدر من غير عدادات قياس” منتهين بالتساؤل أين دهب جظران؟؟ وهل تم تركيب عدادات من بعده ؟ أم أن التصدير تم بعد قياسه اعتباطا رغم أن خزاناته معروفة الكم و القياس و سفن نقله كذلك .. المهم ما علينا فيما مضى فرد الفائت محال رغم أن أحد الأصدقاء عندنا نقاشنا أخذه شيء من الحزن و الامتعاض على إيقاف تصدير النفط في تلك السنوات التي وصل فيها سعر البرميل إلى 120 دولار فسألني لصالح من أوقف جظران النفط و أيده في حينه الكثيرون ؟ فقلت له يا صديق العزيز لا تبحث عن الإجابة لأن عقولنا لا تفقه في السياسة ولا تفهم في قيادة الدول لذلك أتركها لأهلها أمثال من اكتشف أن النفط الليبي يباع من غير عدادات و أكد لنا بأن بين يديه الأوراق و المستندات لكنه اختفى بعد ما تحقق له الغرض و سكت عن الكلام بعد أن صار له الهدف .. المهم رد الفائت محال و نحن أبناء اليوم وها هو النفط أبو النعم وسيد النقم يعود من جديد ليتوقف ويعود نقاش توقفه عن السيلان يتصدر الأخبار و البرامج و حلقات النقاش ويصبح على رأس اهتمامات المسؤولين وأصحاب القرار
أحد الأصدقاء يدعم أيقاف تصدير النفط لأن إيراداتها تنفق في غير محلها و يسرقها من يسرق و أصر على أن السائل الأسود يبقي في أحضان الأرض أفضل من تصديره حتى و إن بلغ سعر البرميل 200 دولار بالرغم من أن هذا الصديق زاد رتبه من خمس سنوات ستة أضعاف و منحت له سيارة جديدة من جهة عمله مع كوبونات بنزين مجانية رغم أنه يعمل في جهة سيادية لا تنتج شيء و لا تعمل في أي شيء إلا كتابة التقارير و التقارير التي لا تنتهي إلا بتقرير مكرر لا يختلف عن سابقه إلا في زيادة الأسماء و الأرقام
صديق أخر له وجهة نظر أخرى شبيهة بالسابقة إلا أن مرتبه لم يزد غير ضعفين فقط وتحصل على منحة أرباب الأسر كغيره من الليبيين ولربما حتى غير الليبيين تحصل عليها فخيرنا كثير ولا ضرر من أن يطال الأخرين من دول الجوار! هذا الصديق رغم أنه لا يذهب لعمله إلا يوم في الأسبوع وأحيانا لا يذهب أصلاً يرى متيقناً بأن النفط لا يستفيد منه الليبيين و أن يبقى سائلاً في باطن الأرض خير من أن يُصدر للخارج رغم أن مرتبه من الخزانة العامة ومرتب زوجته المعلمة خارج الملاك كذلك، ما علينا ربما ينتج في شيء ذا قيمة لا علم لي به!
أخر يرى بأن بقاء النفط في أعماق الأرض لا فائدة منه و تفويت فرص مؤكدة للبيع بأسعار السوق هذه الأيام يضر و لا ينفع وسيعود بليبيا إلى ما قبل برنامج الإصلاحات الاقتصادية و سيتسبب في ارتفاع أسعار العملات و السلع و الخدمات و سنشهد أيام كتلك التي عشناها عندما وصل سعر الدولار لتسعة دينار رغم أن هذا الصديق يعمل لحسابه الخاص لكنه متخوف من يكسُد عمله وتتضرر مصالحه ويعيش أيام عجاف
أخرون يرون بأن توقف النفط ربما يكون نعمة ولربما تنقلنا هذه المحنة من الاعتماد عليه مصدرا وحيداً منفرداً للدخل إلى ابتكار مصادر دخل أخرى فليبيا فيها موارد عديدة غيره لكن سطوع نجم النفط غلب عليها وتسبب في إهمالها و الاستغناء عنها ومنذ تصديره منتصف الستينات وليبيا تعاني مشاكل لا حصر لها وصراع على السلطة وتسبب في توقف المصانع المحلية و المشاريع الزراعية وقادنا لاستيراد كل ما نحتاجه من إبرة الخياطة حتى الطائرة، لذلك فإن توقف تصدير النفط لسنوات قادمة هو حل مثالي رغم أنه قاسي جدا على كل الشعب الليبي فقيرهم و غنيهم كبيرهم وصغيرهم الذي تعود على انتظار ما تجود به الدولة من ريع النفط، فلن يعد هناك ما سيسرق و لن يجد الفساد مرتعاً خصباً له و سيتوقف تهريب الوقود لأنه حينها لن نجد وقودا مدعوماً و لا اعتمادات و لا سعر صرف رسمي ، سيعود التفكير في العمل بجد في إنشاء مصانع وورش و معامل وإصلاح الأراضي وتعمير المزارع سنتخلص من عبودية النفط وتحكمه فينا
هل صحيح أن النفط سيد النقم وجالب الشر و ملك “التنابلة ” ومعلمهم مثلما يقول صديق أخر أم أننا نحن لم نعرف كيف نتعامل معه وفيما نسخره فهناك عشرات الدولة النفطية أقامت مجداً منه و أسست حضارة وشيدت عمارة وتقدمت في شتى المجالات فصارت مضربً للأمثال و قدوة لباقي الأمم و الشعوب
أعتقد جازما أن طريقة تفكيرنا من داخل الصندوق و شكل تعاملنا هي التي جعلت من النفط نقمة لا نعمة وجالب للهموم و الشر فالنفط في حد ذاته لا يستطيع أن يفعل ما نحن فيه اليوم بل كان وراء تقدم أمم وتطور شعوب وكان سببا في سعادة الملايين من البشر و أما التعاسة التي أصابتنا فمن المؤكد أن لنا يد فيها و أن نمط عيشنا هو سبب حزننا وتبقى وجهات النظر المذكورة مقبولة و إلى أن نتغير ونغير يبقى الحال على ما هو عليه