استمرار هيمنة الحكومة مركزيا على القرار السياسي والمالي للمحليات

اسماعيل القريتلي

مع كل الاحترام الشخصي للوزير بدر الدين التومي، لكن الصورة المنشورة مع المقال تعكس إشكالية العلاقة بين المركز والأطراف، فلا قانون رقم 59 لسنة 2012 الخاص بالإدارة المحلية ولا اللائحة التنفيذية الخاصة بذات القانون الصادرة تحت قرار رقم 130 من مجلس رئاسة الوزراء في سنة 2013، ولا القانون رقم 9 لسنة 2913 الصادر عن المؤتمر الوطني العام لتعديل قانون 59 عالجوا هيمنة الحكومة المركزية على المجتمعات المحلية، بل رسخ القانون ولائحته التنفيذية هيمنة وزير الحكم المحلي ووزير المالية ووزير التخطيط على المحليات، فالقانون نص على محافظات تنشأ بقانون من السلطة التشريعية ولم يحدث ذلك، كما نص على بلديات وفروع للبلديات تنشأ بقرار من الحكومة بعد اقتراح من الوزير، ومحلات تنشأ بقرار من الوزير بعد اقتراح المحافظ غير الموجود في الواقع لعدم وجود محافظات.

ووفقا للقانون رقم 9 تم إنشاء أكثر من 100 بلدية بديلا عن المحافظات وأسند إليها وظيفة المحافظات إلا من بعض الاستثناءات.

وفي القانون 59 المحافظ هو ممثل عن الحكومة ومسؤول أمامها وكل المحافظات والبلديات والمحلات تعمل وفق توجيهات الوزير والحكومة تقر ميزانيات المحافظات من خلال الموافقة على ميزانية وزارة الحكم المحلي التي يقدمها المجلس الأعلى للإدارة المحلية الذي يرأسه الوزير أو يتبعه.

وهكذا يسير القانون ولائحته التنفيذية في بسط هيمنة الحكومة الرابضة فوق هرم النظام المركزي على مستويات الحكم المحلي ماليا وإداريا فيمنح الوزير الهيمنة على المجلس الأعلى للإدارة المحلية والتخطيط الإقليمي، كما تهيمن الحكومة بعد اقتراح وزير الحكم المحلي ووزير التخطيط على قرار إنشاء الأقاليم الاقتصادية. ونصت اللائحة التنفيذية على اقتصار اختصاصات وحدات الإدارة المحلية على تنفيذ السياسات العامة للدولة (النظام المركزي) ذات الطابع المحلي.

ونصت اللائحة على إنشاء وحدات إدارية (صحة، تعليم، صناعة وغيرها) تتبع الوزارات في الحكومة المركزية وتنفذ خطط الوزارات.

وألزمت اللائحة المحليات عدم الشروع في أي مشروع استثماري بينها إلا بعد موافقة مجلس التخطيط الإقليمي التابع للوزارة وبتنسيق مع الوزير. بل حتى المحميات الطبيعية لا تنشأ إلا بموافقة الحكومة بعد عرض من الوزير الذي يستقبل مقترحات من مجلس التخطيط الإقليمي.

والحكومة والوزير يملكان سلطة تعيين لجنة مركزية للانتخابات المحلية وكذلك لجان الانتخابات الفرعية، كما تتحكم الحكومة في ميزانيات لجان الانتخابات المحلية. ويختص المجلس الأعلى التابع للحكومة بفض النزاعات بين المحليات وكذلك مناقشة خطط المحليات الواردة له من مجلس التخطيط الاقتصادي الإقليمي التابع للحكومة كذلك ثم ترفع توصيات إلى الوزير الذي يعرضها على الحكومة المركزية.

باختصار بحسب القانون رقم 59 ولائحته التنفيذية تتحكم الحكومة المركزية ووزير الحكم المحلي في الإدارة المحلية تخطيطا (من خلال مجلس التخطيط الإقليمي والمجلس الأعلى للإدارة المحلية ووزير التخطيط) وماليا (من خلال وزير الحكم المحلي ووزير المالية ومجلس الوزراء)، ولا ينفع أي حديث عن تخصيص أجزاء من الموارد المحلية للمحليات لأنها صرفها يخضع لموافقة الحكومة المركزية، وسياسيا (من خلال هيمنة الوزير والحكومة المركزية على إجراءات الانتخابات ولجانها وميزانياتها).

لكم أن تتخيلوا مستوى البيروقراطية المركزية التي أسس لها قانون 59 ولائحته التنفيذية فالمحلة ملزمة بتقديم خططها إلى البلدية، والبلدية ملزمة بتقديمها للمحافظة والمحافظة لمجلس التخطيط الإقليمي وهو إلى المجلس الأعلى للإدارة المحلية وبدوره يرفعه للوزير وقد يحتاج الوزير التفاوض مع وزيري المالية والتخطيط ثم إلى مجلس الوزراء وهكذا دواليك، ثم ماذا لو كان رد الحكومة أو الوزير عكس ما طلبته المحلة بعد كل هذا الوقت والجهد الضائع.

لانزال نفكر مركزيا ولم نتحرر موضوعيا من هيمنة النظام المركزي جغرافيا واجتماعيا وجهويا وسياسيا وماليا.

ولعل من إشكالات القانون ولائحته إهماله مسألة الأقاليم الثلاثة (الأقاليم لها بعد هوياتي) وأيضا لم يعالج القانون ولائحته مسألة المكونات الثقافية والعرقية وهو بعد هوياتي كذلك.

أمر أخير ومهم جدا هي تلك روح الإقصاء التي هيمنت على القانون ولائحته من خلال حرمان المؤيدين لنظام سبتمبر أو المنتسبين لبعض مؤسساته السياسية من حق الترشح للمحليات.

نص القانون:
https://security-legislation.ly/sites/default/files/lois/62-Law%20No.%20%2859%29%20of%202012_ORG.pdf

نص اللائحة التنفيذية في الجريدة الرسمية يبدأ من ص 979:
http://www.log.gov.ly/downloads/add015-2013.pdf

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

القائمة