مفتاح قناو
من الأخطاء الفاحشة في سلوك من يتعاط السياسة في بلادنا، هو أن يعتبر (الجالس على سدة الحكم) نفسه دائما على حق، وأن الآخرين على ضلال، وهو أيضا لا يريد أن يفهم بأن الأخطاء المتراكمة التي يقوم بها، هي التي ستنتج عنها الكوارث الكبيرة التي لا يتصور حدوثها في الأمد القريب.
شاهدنا ذلك في سلوك حاكم ليبيا السابق معمر ألقذافي وكيف أنه لم يستوعب الناس عام 2011م ولم ينظر إلى طلباتهم بواقعية بعيدا عن حالة الاستعلاء التي كان يعيشها، واعتبر أن الجميع جرذان خونة ينبغي القضاء عليهم (دار،دار ــ زنقة،زنقة) مما فتح الباب على مصراعيه للتدخل الخارجي، لأن الحكومة في واد، والشعب في واد أخر .
شاهدنا هذا أيضا في حرب خليفة حفتر لتوحيد البلاد تحت سلطته بالقوة، حيث اعتبر خليفة حفتر كل من عارض مشروعه بأنه إرهابي، قاعدي، من أنصار الشريعة ينتمي للجماعات المتطرفة، ينبغي سحقه والقضاء عليه، وهذا خطأ أساسي وقع فيه، فهناك مئات الآلاف من الوطنيين الليبيين المعارضين لمشروع حفتر، وليسوا إرهابيين ولا عملاء ولا علاقة لهم بالقاعدة أو أي تنظيم متطرف إسلامي أو غيره.
حاليا يتكرر المشهد مرة ثالثة، حكومة الوفاق ومن يتبعها من قوات، تعتبر أن من يخرج للتظاهر هم خونة مندسين تابعين لأجندات أخرى، تتبع النظام السابق أو خليفة حفتر، وهذا غير صحيح، فهناك مئات الآلاف من الناس المتضررين من الوضع المزري والحياة البائسة وانعدام كل سبل الحياة، خرجوا ــ بعد سنوات من الصمت ــ ليعبروا عن عدم احتمالهم المزيد من هذا الضغط العالي، وأن على الحكومة أن تستيقظ، وتعمل على وقف الفساد المستشري، وأن تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي، ووضع خطة واضحة لمحاربة حالة الفقر والعوز الشديد التي وصل إليها المواطن، أما أن تعتبرهم عملاء لأي جهة وتطلق عليهم النار كأعداء، أو تلقي القبض عليهم، فهذه جريمة أخرى تضاف إلى الجرائم الاقتصادية التي يعاني منها المواطن الليبي.
المواطن الليبي يخرج للتظاهر لأسباب اقتصادية وليس لأسباب سياسية.
المواطن الليبي لم يعد يهمه من يحكم، ما يهمه هو ( للأسف) توفير حاجاته الأساسية