محمد احمد الشحاتي
بعيدا عن النقاش حول مفاهيم “ما بعد النفط” و “التنوع الاقتصادي” و “الطاقات النظيفة” و “أسعار النفط” دعوني أركز على مفهوم “البترول حرية”.
التاريخ يقول إن التطور الحضاري باتجاه حرية الانسان وتأكيد حقوق الانسان بدأ مع عصر الثورة الصناعية الذي وضع حدا نهائيا لظاهرة الرق عندما كان الانسان سلعة يباع ويشترى، صحيح أن الثورة الصناعية بدأت بالحصول على الطاقة البديلة للجهد العضلي الإنساني عن طريق حرق الفحم ألا أن سرعان ما تطورت إلى استعمال النفط الذي وفر بديلا سائلا قابل للحركة والنقل ما أدى إلى تفجير الطاقات الصناعية تباعا في انحاء العالم وتقهقر في ظاهرة الرق الاجتماعي والسياسي.
لم يكن بالإمكان تطبيق مفاهيم التنوير الذي أعقب عصر النهضة وترقي الإنسانية على سلم الحضارة المدنية بدون تكسير للأغلال التي تسببت فيها عصور من القهر الإنساني التي احتاجت فيها الطبقات العليا للمجهود العضلي الإنساني لبناء قصورها للأحياء وبناء أهرامات للأموات.
العطش للحرية وامتلاك الوسائل بعد دهور من الجهل والظلام فجر الاحلام الانسانية بدون ضوابط، فكسر الجبال العائقة لحركته، وحفر الأرض وأمتطى السماء وأخرج الكنوز المعدنية المدفونة في الأرض واصطاد الكنوز الحية في البحار والسماء، عدل الأجواء فقلب الشتاء صيفا وحول الصيف شتاء، وتناثر في الأرض بعد الحشر في الزوايا الضيقة وأحرق المخلفات لتختفي الروائح الكريهة وعاش نوعا ما في جنة أرضية.
حرية بدون ضوابط قادت إلى:
هدر كبير في استعمال المورد البترولي لإشباع النهم الإنساني في مزيد من الحرية والرفاهية
تلوث هائل في البيئة نتيجة عدم اتباع الأصول السليمة في انتاج البترول واستهلاكه
حدوث خلل خطير في الحياة البرية نتيجة القوة الجبارة التي امتلكها الانسان مقارنة بالأحياء الأخرى
تظهر اليوم بديل جديد الطاقات المتجددة أو ما يطلق عليها النظيفة بعد فشل الطاقات الخطيرة أو الانتحارية (الطاقة النووية) لتحل محل البترول
هذه الطاقات هي طاقات جملة لا يمكن استعمالها فرديا بنفس الطريقة التي كان البترول يستعمل بها
هذه الطاقات تستلزم أن يعيش البشر في خطوط مستقيمة، في مراكز مجمعة، أن يستعملوها بتوقيت موحد وبنمط متماثل فقط لضمان استمرار نفس الرفاهية التي وفرها لهم البترول
هكذا فأن الكثير من المدن والضواحي يجب أن يتم إلغائها
والكثير من التنقل يجب أن يوضع له حدا
والكثير من العادات التي اكتسبها الانسان بفضل الحرية التي وفرها له البترول يجب أن يتم التخلي عنها
المشكلة أن من سيتضرر أكثر هو ذاك الانسان الفقير في الدول النامية الذي لن يستطيع توفير البديل النظيف الغالي من الطاقة الشمسية أو حتى من طاقة الرياح البعيدة، فسيتراكم البشر على بعضهم وستذهب آمال واحلام الحرية ادراج الرياح ليقدم للعالم المتقدم هدية مناخية لتلطف عنهم الطقس وتحقق آمال اليسار السياسي الحالم بتأطير البشرية في نماذج تشبه موديلات “ماو تسي تونغ”.