(بقلم السيد وانغ تشيمين القائم بأعمال السفارة الصينية لدى ليبيا)
يصادف هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة. فقبل
خمسة وسبعين عامًا، مع التحديق إلى الكلوم والآلام اللامتناهية التي تعاني منها
البشرية جراء الحربين العالميتين، أنشأنا الأمم المتحدة، المنظمة الدولية الأكثر
عالمية وتمثيلية وحجية، بغية ضمان سلام دائم للأجيال المقبلة، فيما تم تحديد
المنظومة والنظام الدوليين الذين يتركزان على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
مع مرور 75 عامًا على ذلك، شهد الوضع الدولي تغيرات عميقة، إذ تتشابك
مصالح مختلف الدول بعضها مع البعض بشكل عميق في ظل الثورة الصناعية
الرابعة، ولا يزال السلام والتنمية هما موضوع العصر، بينما تشتد الحمائية
والأحادية والتنمر بشكل متزايد وتواجه تعددية الأطراف تحديات غير مسبوقة،
الأمر الذي ترك البشرية تقف مرة أخرى عند مفترق طرق يتعلق بمصيرها في
المستقبل. ترى إلى أين سيتجه النظام العالمي؟ هذا يصبح من جديد سؤالا محوريا
يطارد عقول الناس.
منذ وقت ليس ببعيد، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤتمرات
افتراضية مهمة منها قمة لإحياء الذكرى السنوية ال75 للأمم المتحدة ، والمناقشة
العامة للدورة ال75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة التنوع البيولوجي،
والاجتماع الرفيع المستوى لإحياء الذكرى ال25 لمؤتمر بكين العالمي للمرأة. في
سياق تشابك التغييرات غير المسبوقة منذ مائة سنة ووباء فيروس كورونا المستجد
المفاجئ، أجاب الرئيس شي بشكل شامل ومنهجي عن سلسلة من الأسئلة المهمة،
مثل أي نوع من العالم ستواجهه البشرية في حقبة ما بعد الوباء، وما هو الدور الذي
ستلعبه الصين للعالم، وما هو النظام الدولي الذي نحتاج إليه. الرئيس شي أوضح
رؤية الصين تجاه تطور الهيكل الدولي وساهم بالحكمة الصينية في الحوكمة
العالمية.
أولا، يتطلب تعزيز التضامن والتعاون الدوليين في مكافحة الوباء. يعد احتواء
انتشار الجائحة أولوية قصوى نظرا لاجتياح الفيروس جميع أنحاء العالم وتكرار
ظهور الوباء. يجب علينا إعلاء سلامة وحياة الشعب فوق كل الاعتبارات، وتعبئة
جميع الموارد لتسهيل أعمال الوقاية والعلاج بطريقة علمية. كما يجب على الدول
تعزيز التضامن واحترام العلم، ودعم منظمة الصحة العالمية للعب دور قيادي
رئيسي، والدفع بالآلية الدولية المشتركة للوقاية والسيطرة، إضافة إلى معارضة
التسييس والوصم بحزم. الصين ستواصل العمل على التعاون الدولي وتقاسم
الخبرات وتقنيات التشخيص والعلاج في مجال مكافحة الوباء، متعهدة بإعطاء
الأولوية لتقديم اللقاحات كمنتج عام عالمي إلى الدول النامية بعد الانتهاء من
تطويرها وطرحها في السوق.
ثانيا، يتعين إصلاح واستكمال منظومة الحوكمة العالمية. لا يمكن لأي بلد أن
يصبح جزيرة معزولة آمنة مع تزايد التحديات والتهديدات العالمية. من الضروري
توضيح ما لا يمكن وما ينبغي تغييره في منظومة الحوكمة العالمية. فمن ناحية، لا
بد من اتباع تعددية الأطراف، وحماية النظام الدولي الذي مركزه الأمم المتحدة،
والتمسك بالمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على ميثاق الأمم المتحدة. ومن
ناحية أخرى، علينا الالتزام بالتشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وتعزيز المساواة
في الحقوق والفرص والقواعد لجميع البلدان، وزيادة تمثيل وصوت الدول النامية
في الأمم المتحدة بشكل فعال، بحيث يتوافق منظومة الحوكمة العالمية مع السياسة
والاقتصاد والعالميين المتغيرين.
ثالثا، ينبغي الدفع بانتعاش الاقتصاد العالمي. أشار الرئيس شي بوضوح إلى
أن العولمة الاقتصادية هي واقع موضوعي واتجاه تاريخي. يشهد الاقتصاد العالمي
أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، إذ نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى العمل
معًا لمواجهة التحديات لاستعادة نظام وحيوية الاقتصاد والمجتمع في أسرع وقت
ممكن. يجب علينا العمل بحزم على بناء الاقتصاد العالمي المنفتح، وصيانة
المنظومة التجارية المتعددة الأطراف على أساس منظمة التجارة العالمية،
ومعارضة الأحادية والحمائية، والحفاظ على استقرار وسلامة سلاسل الصناعة
والأمداد العالمية. في الوقت نفسه، كما يجب علينا أن نسعى لتحقيق تنمية متوازنة
ومتكاملة تنفع شعوب العالم في مختلف الفئات على قدم المساواة.
رابعا، يلزم تسريع بناء الحضارة الإيكولوجية العالمية. الإنسان والطبيعة
يعتمد بعضهما على البعض. النمو الاقتصادي على حساب البيئة مقدر له أن يكون
غير مستدام، ويعتبر بناء الحضارة الإيكولوجية العالمية وكوكب الأرض الجميل من
المسؤولية المشتركة للبشرية. إن البشرية تحتاج إلى ثورة ذاتية لإيجاد نمط أخضر
للتنمية والحياة. فيجب على الدول أن تفي بجدية بمسؤولياتها والتزاماتها المنصوص
عليها في اتفاق باريس وأن تخطو خطوة حاسمة نحو النمط الأخضر والمنخفض
الكربون. على أساس تحقيق أهداف العمل المناخي لعام 2020 قبل عامين من
الموعد المحدد، ستتبنى الصين سياسات وتدابير أقوى لجعل انبعاثات ثاني أكسيد
الكربون بلوغ ذروتها قبل عام 2030، وتحقيق تحييد الكربون قبل عام 2060.
قبل خمسة وسبعين عامًا، كان الممثل الصيني أول من وقع على ميثاق الأمم
المتحدة وهو يحمل فرشاة كتابة، وسجلت هذه اللحظة الكلاسيكية صفحة جديدة
لوحدة وتقدم الإنسان. في يومنا هذا، ستظل الصين أمينة بتعددية الأطراف، وتعمل
على إقامة نمط جديد من العلاقات الدولية ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية،
مستعدة