مَــقالْ / د. عبدالله يونس الترهوني
لا يعلم أغلب الليبيون شيئاً عن طبيعة عمل الحقول البحرية النفطية وعن تخزين ونقل النفط بالرغم من أن ليبيا تمتلك حقلي الجرف والبوري النفطيين شمال غرب البلاد، وبالتالي لا يمكن لاغلبهم أن يتصور حجم ناقلات النفط العملاقة والتي تعد أكبر جسم متحرك صنعه الإنسان حتى اليوم.
بعيداً عن النفط ، تخضع جميع الموانئ والمنصات البحرية لسلطة مصلحة الموانئ من الجانب السيادي طبقاً للقرار 81 لسنة 2008 بشأن إنشاء مصلحة الموانئ والنقل البحري، وعلى الرغم من أن هذا القرار قد جاء على عجل ولا يلبي حاجة ليبيا البحرية من المنظور السيادي إلا أنه أفضل من لا شئ، ولكن هذا لا يمنعنا من القول أن المصلحة اليوم هي بحاجة إلى تشريع أقوى يتولى إعداده خبراء مشهود لهم بالكفاءة في جانب التشريعات بشرط أن يكون تركيزهم منصباً على الدورين الرقابي والتشريعي للمصلحة، ولكن يبقى هذين الدورين المنشودين بحاجة إلى ضخ مزيد من الكفاءات البحرية (وهذا يعني وجود كفاءات وطنية بحرية حالياً بديوان المصلحة وموانئها رغم قلتهم) وصهر كل الكفاءات في فريق عمل واحد يدير المصلحة وموانئها بإقتدار، والذي يتم حسب وجهة نظري من خلال استقطاب أولئك المنسيين أو من تم اقصائهم للعمل في الموانئ البحرية وبعيداًعن ديوان المصلحة منذ سنوات طويلة خلت، وللامانة فمنذ ظهورالمصلحة بشكلها الحالي في العام 2008 لم نسمع بأي خطة للاستعانة بالكفاءات البحرية الليبية القادرة على الرفع من المصلحة وجودة خدماتها، وبالاخص منذ العام 2012 وماتلاه، حيث عاد للوطن عدد من حملة المؤهلات العليا من أوروبا وأمريكا وأستراليا ، وهؤلاء جميعاً بالرغم من كونهم قلة إلا إنه يمكن الاستفادة منهم في رسم السياسات والتطوير وفي الأعمال الإدارية كما يمكن الاستفادة من علاقاتهم الخارجية، وفي خط مواز لهذا الجذب يتم رفع كفاءة جميع العاملين من خلال تدريب مكثف، بحيث يصبح التدريب ثقافة راسخة وليس مجرد شئ جرت به العادة.
بعد هذه المقدمة، يمكننا الآن الغوص وبشئ من التفصيل في قصة الخزان العائم سلوق التي تحولت الى قضية رأي عام تولاها النائب العام شخصياً، وبالمناسبة فإن الخزان هو أكبر الوحدات العائمة في ليبيا على الاطلاق وبطول 348 متراً وعرض 52 متراً وسعة تزيد عن مليون ونصف برميل من النفط الخام، وقد تم بنائه في العام 1973 ثم تم جره إلى حقل البوري النفطي خلال العام 1976 وبقي في مكانه حتى مطلع شهر نوفمبر 2021، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الخزان قد خرج عن الخدمة وتم إحلاله بالخزان غزة في العام 2017.
القصة الحزينة للخزان بدأت في النصف الثاني من العام 2021 عندما طلب المالك الجديد للخزان شهادة قطر فتم تكليف معاين بحري والذي بدوره أنجز عمله واحال خطة القطر إلى المالك وإلى مصلحة الموانئ التي لم تصدر شهادة القطر، والسبب حسب وجهة نظر رئيس المصلحة أن الخزان غير مسموح له بالتراكي في الموانئ الليبية لأن طوله أطول من رصيف بالموانئ التجارية، كما أنه يحوي ترسبات بترولية غير قابل للضخ في قاع الخزان Sludge تزيد كميتها عن 4000 طن، لاحقاً أصدرت مصلحة الموانئ شهادة قطر لجرالخزان بعيداً عن الموانئ الليبية وعن المياه الاقليمية، في حينه وعلى العكس تماماً سمح ميناء الحديد والصلب لمالك الخزان بجره اليه بشرط موافقة مصلحة الموانئ، وهنا بدأ الشد والجذب بين المالك ورئيس المصلحة، وفي نهاية المطاف سمح رئيس المصلحة مطلع شهر نوفمبر بجر الخزان إلى ميناء الحديد والصلب على ان يتحمل الميناء المذكور كافة المسؤوليات وهو مايعتبر تنصلاً من المسؤولية ولايُعد تفويضاً بها، أي وكأنه نوع من الهروب إلى الامام.
لقد أدى هذا الشد والجذب إلى تعطيل جر الخزان خلال فصل الخريف، ومع اقتراب دخول فصل الشتاء حدث مالم يكن في الحسبان وبالتحديد أثناء عملية فصل وجر الخزان حيث تولت شركة بحرية (بحسب ما افادنا به مالك الخزان هي شركة معتمدة من قبل شركة مليتة للنفط والغاز المشغلة لحقل البوري والمالك السابق للخزان سلوقً) وتولت عمالة تونسية تتبع هذه الشركة عملية فصل الجسر Yoke عن نقطة الربط SPM وقد نتج عن هذا العمل فقدان عدد من الارواح بين قتيل ومفقود بالبحر، أدعو الله لهم جميعاً بالمغفرة والرحمة، وهنا يطرح السؤال الأول نفسه وهو: هل الشركة والعمال غير مؤهلين للقيام بهذا العمل، ثم أين هو دور المصلحة التي منحت شهادة الجر، وهل ينتهي دورها بمجرد منح الشهادة، وهل حصل هذا الحادث والشهادة سارية المفعول أو لا، واين هي حدود المصلحة ومفتيشها في كل ماحصل؟
وبعد أن أنتهى الفصل الاول من قصة الخزان بخسارة أرواح بدأ الفصل الثاني وهو فصل درامي بامتياز حيث ارتفع البحر واشتدت الرياح أثناء جر الخزان مطلع شهر ديسمبر 2021 وباعتباره خزان أي انه سفينة بدون محركات فقد تم جره بدون وجود اي افراد طاقم على متنه، وفي كل الأحوال فقد انقطع سلك الجر الذي يربط القاطرة بالخزان شمال غرب ميناء بنغازي، الأمر الذي أدى إلى جعل الخزان حر الحركة وخارج السيطرة تماماً، وهنا يطرح السؤال الثاني نفسه وهو كم عدد القاطرات التي كانت تجر الخزان أثناء عملية الجر، وهل عدد القاطرات كاف لانجاز العملية، وهل أنتهى دور للمصلحة ومفتشيها بعد فك الخزان من SPM والشروع في جره بعيداً عن حقل البوري