مَـــقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
تداولت بعض الصفحات رسالة من رئيس السلطة التنفيذية إلى شركة توتال الفرنسية حول التصرف في حصة شركة هس في نظام الواحة لإنتاج النفط. لا أعرف على وجه التحديد صحة الرسالة من عدمه، ولكن يمكن التعليق بتجرد كالآتي.
ائتلاف “الواحة” هو شركة مشتركة بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركات نفط دولية كبيرة.
تم تحقيق أول اكتشاف في منطقة امتياز الواحة في سنة 1958 في منطقة الظهرة في حوضي سرت/برقة وتوالت الاكتشافات في قطع أخرى 31، 32، 59، 59 شرق، 59 واحة، 59 غرب، أن سي 98 ويمتد الامتياز الممنوح للشركات حتى سنة 2031.
الشركاء الحاليون هم:
المؤسسة الوطنية للنفط بنسبة 59.18%
شركة كونكوفيليبس الامريكية بنسبة 16.33%
شركة توتال انيرجي الامريكية بنسبة 16.33% تم شراؤها في سنة 2018 من شركة ماراثون الامريكية
شركة هس الامريكية بنسبة 8.16%
وفقا للاتفاقية التي تم عقدها مع الشركاء فالإنتاج يتم قسمته وفقا للحصص المشار إليها أعلاه وعلى الشريك الأجنبي بعد ذلك دفع حقوق الملكية للدولة الليبية في صورة ضرائب. بعد احتساب الضرائب ونصيب المؤسسة من الإنتاج تكون حصة الحكومة الليبية اختصارا من دخل الإنتاج هي بمعدل 92.70%.
القيمة التجارية الصافية الحالية لنظام الواحة الإنتاجي القائم على اتفاقية الامتياز التي تنتهي في سنة 2031، هو 3.1 مليار دولار أمريكي هذا بمعدل سعر 55 دولار/للبرميل (القيمة التجارية هي صافي التدفق النقدي أي اجمالي التدفق النقدي بعد طرح تكلفة الإنتاج والضرائب الحكومية). هذا يعني أن قيمة حصة المؤسسة تصل إلى 1.8 مليار دولار، وقيمة حصة شركتي ماراثون وتوتال هما 498 مليون دولار لكل منهما وقيمة شركة هس تصل إلى 249 مليون دولار.
الاحتياطات المتبقية لمناطق الواحة 1.4 مليار برميل مكافئ من النفط والغاز (6% غاز). يتوقع أن تستمر الحقول في الإنتاج وفقا لمتوسط الإنتاج الحالي إلى سنة 2064. هذا يولد دخل داخلي للمشروع معدله 72% ومعدل دخل داخلي للشركة بعد الضرائب 16.4% أي يمكن استرجاع رأس المال في 5.7 سنة.
خلال العقد السابق فقدت الشركات الامريكية النفطية اهتمامها بتواجدها في صناعة المنبع في ليبيا حيث أرجعت معظم أصولها المالية إلى الولايات المتحدة في نشاط انتاج النفط والغاز الصخري. ارتفاع المخاطرة كذلك كان عاملا محفزا للانسحاب ليس من ليبيا فقط، بل من أصول كثيرة في المنطقة وذلك ارتباطا بتوجه المؤسسات المالية الكبرى في منح التسهيلات الائتمانية للشركات النفطية. هذا شجع الشركات الأوربية خصوصا تلك المرتبطة بالسياسات العامة في بلدانها أن تكثف من وجودها كبديل للشركات الأمريكية.
قانون البترول 25 لسنة 1955 قانون فعال جدا في حماية الثروة النفطية الليبية وساندته اللوائح التنفيذية اللاحقة خصوصا في فترة السبعينات والثمانينات. هذا القانون واتفاقيات تقاسم الإنتاج التي تم تبنيها منذ بداية السبعينات وازنت بين مصالح الشركات الدولية ومصالح الدولة الليبية في تقاسم عادل وفعال للإنتاج النفطي بالمحافظة على الأصول الإنتاجية وعدم السماح بالمتاجرة في الاحتياطي النفطي.
في الثمانينات وعندما انسحبت بعض الشركات الامريكية تماما من ليبيا لم يكن لها خيارا سوى تعويض الدولة الليبية عن الاضرار التي ألحقتها بالعملية الإنتاجية. تم استعمال قيمة التعويضات في تعزيز القدرة الإنتاجية خصوصا في شركة سرت للنفط وبعض أجزاء شركة فيبا الألمانية التي حلت محل شركة موبيل الامريكية.
بقراءة الرسالة المرفقة التي تم نشرها في بعض المواقع لدي عليها بعض الملاحظات:
أولا: أشارت الرسالة إلى المادة 17 من قانون البترول لسنة 1958 وهي المادة المتعلقة بشروط تنازل صاحب الامتياز “الشريك الأجنبي” عن الامتياز. المادة واضحة، ولكن يفترض أن الرسالة وفقا للمادة توجه إلى صاحب الامتياز الحالي (هس) للموافقة على تنازله وليس إلى من يرغب في الاستحواذ على الامتياز (توتال). توجيه الرسالة إلى “توتال” يعفي “هس” من الالتزامات التعاقدية لعقد الامتياز وهذا له بعض الآثار السلبية على عملية الانتقال.
ثانيا: يبدو أن الجهات الليبية قررت أنها لن تستطيع الاستحواذ على حصة “هس” حيث يعطيها القانون الحق في ذلك. هذا قد يعود إلى عجز السلطات الليبية عن توفير تعويض لشركة “هس” لقيمتها الصافية التي تصل كما أشرت أعلاه وهي 249 مليون دولار.
ثالثا: هذا قد يثير احتمالات اتجاه الشريك الأخير “كونكو-فيليبس” لبيع حصته أيضا، وهنا ستبرز إشكاليات جديدة على مستوى الإدارة خصوصا إذا ما كان الشاري هو شركة توتال نفسها.
رابعا: قرأت بعض التعليقات التي تنادي بعرض الحصة أما على المؤسسة الليبية للاستثمار أو رجال الاعمال الليبيين وأظن أن هذه خطأ فادح يجب الابتعاد عنه. المؤسسة الليبية للاستثمار يجب أن توجه استثماراتها سواء داخل أو خارج ليبيا إلى قطاعات لا تكون فيها المخاطر عالية مثل القطاع النفطي، أما إذا كان هناك تفكير في خصخصة جزء من الأصول النفطية فيجب أن يتم ذلك كما في جميع انحاء العالم كطرح عام معلن ولا يقتصر الأمر على قلة احتكارية.
خامسا: لم أفهم موضوع 45 مليون دولار الذي يجب أن تتشارك فيه توتال مع كونكو كمساهمة وفقا للمادة 17. هل هذا شرط مرتبط بالموافقة (منحة) مثلا، أو هو ما يدخل تحت مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات. في حال كونها (منحة) فهي يجب أن تخصص حصريا لتطوير العملية الإنتاجية أما إذا كانت من ضمن المسئولية الاجتماعية فكان لا ينبغي أن تربط بالمادة 17 حيث أن الشركات ملزمة بهذه المسئولية من خارج قانون البترول.