د. محمد أحمد
لا شك أن كل الأصدقاء يتابعون بشغف الحرب البينية بين أجهزة الدولة حول موضوع إيرادات النفط. كنت قد كتبت بعض الأفكار حول هذا الموضوع قبل تسرب رسالة سرية من مصرف ليبيا المركزي إلى المؤسسة الوطنية للنفط، ونشر المؤسسة الوطنية للنفط فحوى رسالة إلى ديوان المحاسبة بما يتعلق بنفس الموضوع. ولأن المكاتبات المتضادة أصبحت في الحقل العام بالرغم من “سرية” بعضها حاولت أن أقرأهم للفهم وربما للتعليق عليهم.
وبعد عدة ساعات من القراءة والتدقيق أصارحكم القول إني فهمت القليل جدا حول الموضوع، ولكني سأستمر في المحاولة ربما تنفك بعض الطلاسم وتفكك بعض الألغام الموضوعة بين الكلمات والسطور. ما أود أن أكتب لكم عليه اليوم هو موضوع مختلف لا يتعلق بالأرقام ولكنه يتعلق بالأدبيات. حقيقة عندما تعمقت في دراسة المكاتبات راعني ضعف الأسلوب وركاكة التعبير وعدم تناسق وربط واتزان المواضيع المطروحة في الرسالة الواحدة. هيء لي أنني أقرأ عمودا أو إدراجا في الفيس بوك وليس رسالة رسمية صادرة عن مؤسسة حكومية عريقة.
في بداية توظيفي في قطاع النفط كنت أجلس لساعات أقرأ المكاتبات التي تخرج من الإدارة سواء بالعربية أو الإنجليزية وكانت تلك التي يتم تحريرها بالمكتب القانوني الذي تحول فيما بعد إلى إدارة قانونية تتصف بالإحكام المطلق وتراص المعاني الدالة والتي تشرح الموضوع بوضوح وتصف الخيارات المعقدة المطروحة وتصل إلى طرح الحلول الناجعة للمشكلة بشكل سلس يمكن متابعته أما للموافقة أو للرفض.
كان كل كتاب حكومي أو رسالة حكومية في الواقع قطعة فنية منفصلة في العموم لا تنخفض عن درجة “جيد جدا” بغض النظر عن جدية وفعالية موضوعها الذي أحيانا كان ينحرف في مسارات النفاق السياسي أو التضليل الإداري، ولكن الصيغ في حد ذاتها كان مرجعها صحيح المتن من القانون والتراث الإداري.
أرفق لكم المكاتبات التي دارت حول الموضوع حتى الآن وأريد منكم أن تقرؤوها خطفا لتروا إن كانت ستجذبكم مثل قصة لألبرتو مورافيا أو رواية لنجيب محفوظ فيها تشويق وإثارة تستجذب حواسكم فتغطسوا فيها عمقا وفكرا أم أنكم ستتضيعون الخط الرابط للوثيقة بعد اكتمال السطر الأول وسترجعون للفقرة السابقة وتتساءلون كيف يمكن أن نربطها بالفقرة التي تطالعونها. شخصيا لم أستطيع أن أسلسل الترابط بالرغم من الترقيم الفاقد للمعنى، والأفكار المتضاربة في نفس الرسالة.
سأعطيكم مثلا يتمثل في ماهية المرجعية في رسائل المؤسسة الوطنية للنفط التي يتم التحدث عنها هل هي مرجعية القانون الليبي أم الإجراءات الاستثنائية أم الشرعية الدولية، الواضح أن هناك تخبطا وضبابية لا أعرف أن كانت مقصودة أم لا. أما من يحل لغز العبارة التالية الواردة في رسالة المصرف المركزي فأني أعده بهدية كبيرة “لقد تعامل مصرف ليبيا المركزي مع ما يرد إليه من بيانات المؤسسة الوطنية للنفط خلال السنوات الماضية على افتراض صحتها، والتي تأكد لاحقا أنها غير صحيحة، ولا تحقق مطابقة فعلية لشحنات النفط والغاز المصدرة مع ما يورد للخزانة العامة من عائد، بالمخالفة لمقتضى الشفافية والافصاح، ولا صحة لما ادعاه بيان المؤسسة من المغالطة والتضليل، إذ يلتزم مصرف ليبيا المركزي بمبادئ الشفافية والافصاح والمسؤولية والمحاسبة عن كل ما يصدر عنه”. الأسئلة الواجب حلها لحصولك على هدية هي: متى علم المصرف؟ وكيف علم؟ وما مدى السنوات؟ وما علاقة ما يورد للخزانة العامة؟ وما معنى عبارة “ولا صحة لما ادعاه بيان المؤسسة من المغالطة والتضليل” وما علاقتها بالفقرة أساسا؟ وما علاقة التأكيد على التزام المصرف بالإفصاح والشفافية بعدم صحة بيانات المؤسسة. متاهة حقيقية من الكلمات المتقاطعة بدون أي ترابط.
مبدئيا كنت أرفض عملية نشر البيانات شهريا بدون تدقيق مراجعي وأراها عملية تضليل القصد منها سياسيا، وتأتي هذه الرسائل لتضيف ضبابية وغموضا ليس من السهل تبديده حتى بتكليف أرقى شركة عالمية للمحاسبة والمراجعة.