مَـــقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
قفزت أسعار الغاز الطبيعي الفورية في الأسواق العالمية بشكل غير مسبوق في اقفالات يوم الجمعة 4/3/2022، ليصل سعر المؤشر الهولندي TTF إلى أكثر 61 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية وهو ما يعادل تقريبا 354 دولار/برميل مكافئ نفط. هناك مجموعة من الملاحظات يجب أخذها في الاعتبار:
الملاحظة الأولى:
أن من سيكتوي بهذا الارتفاع أساسا هي دول القارة الاوربية حيث أن معظم التسليمات تتم وفقا للسعر الفوري بعد قوانين تحرير تجارة الغاز التي قلصت إلى أكثر حد حماية العقود طويلة الأجل ضد تقلبات السعر والتي تكون مرتبطة عادة بأسعار النفط الخام أو سعر المنتجات النفطية. تقريبا انكشاف الدول الاوربية للأسعار الكبيرة يقارب 60% من التسليمات بينما 40% تأتي من العقود طويلة المدى من المصادر الروسية أساسا والجزائر وليبيا وجزء صغير من النرويج.
الملاحظة الثانية:
أن مستهلكي شرق آسيا أكثر حماية من تقلبات الأسعار الفورية وأهمهم اليابان حيث يحتفظون جلهم بعقود طويلة المدى (في حدود 20 سنة) تكون فيها الأسعار مرتبطة بسعر النفط أساسا، هذه الأسعار حاليا والتي تغطي 75% من التسليمات لا تتجاوز 12.54 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية أي ما يقارب 73 دولار/برميل مكافئ نفط، هذا سيمنحهم ميزة استراتيجية هامة مقابل منافسيهم الاوربيين.
الملاحظة الثالثة:
أن سعر الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة أو في أمريكا الشمالية عموما سيكون أقل سعر حول الأسواق العالمية حيث أقفل في يوم الجمعة 4/3/2022 على 5.06 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية أو بما يعادل 30 دولار/مكافئ نفط، وهذا سيساهم إلى حد بعيد في استقرار اقتصادي نسبيا باستثناء ارتفاع أسعار النفط.
وكما لاحظت في بوستات سابقة فأنه لا يوجد بديل متوفر للغاز الروسي إلى أوربا وهذا سيعني استمرار ارتفاع الأسعار لفترة أطول من المتوقع بالرغم من الإجراءات الاستثنائية التي يتم الترتيب لها بإخراج قطاع الطاقة من أنظمة العقوبات.
السؤال هنا ما هو التأثير على ليبيا:
ليبيا وفقا للتقرير الاحصائي لمنتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي تصدر ما يقارب 5 مليار متر مكعب سنويا، هذا مقارنة بمعدل 199 مليار تصدره روسيا.
صادرات ليبيا مرتبطة بعقود طويلة المدى إلى إيطاليا مرتبطة بسعر النفط وليس بالسعر الفوري. تقريبا السعر المرتبط بالنفط يصل حاليا إلى 18.88 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية أي 109 دولار/برميل مكافئ نفط.
الدخل الاعتيادي من صادرات الغاز الطبيعي في سنوات سابقة عند متوسط سعر غاز 6 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية كان في حدود 1.1 مليار دولار سنويا. بافتراض استمرار الأسعار النفطية فوق 100 دولار للبرميل لباقي السنة فأن الدخل يمكن أن يصل إلى 3.3 مليار دولار أي بارتفاع قدره 2.2 مليار دولار، وتشير السوق المستقبلية اليوم على أن النفط سيبقى فوق 100 دولار حتى ديسمبر 2022.
لنفترض فقط كخيال أن ليبيا غير مرتبطة بعقود طويلة الأجل وتستطيع أن تبيع غازها في السوق الفورية ما هو الدخل المتوقع من هذا السيناريو؟
الدخل المتوقع من السوق الفورية هو 11 مليار دولار أي بفرق 10 مليار دولار تقريبا.
السؤال الذي أتوقع أن تسألوه هل يمكن لليبيا أو أي منتج للغاز الطبيعي التهرب من تطبيق العقد لرفع عائداتها؟
الإجابة : لا
لماذا؟
السبب الأول لأن هذا يعطي سمعة تسويقية سيئة جدا وربما يعرض البائع لمشاكل قضائية وتعويضات كبيرة ويتم الحجز على أي أصول له.
السبب الثاني أنه وفقا لبنود عقود الغاز فأن على البائع أن يعوض الشاري عن أي خسائر تترتب عن رفض البائع أو تحويله لتسليم أي كميات متعاقد عليها سلفا.
السؤال هنا: هل يمكن للشاري أن يبيع غاز العقود الرخيص لمشتري فوري بسعر السوق الفوري العالي؟
الإجابة: نعم يستطيع
اخيرا تجدر الاشارة ان العقود الطويلة المرتبطة بسعر النفط حققت للمنتجين مكاسب كبيرة على المدى الاطول حيث ان سعر الغاز الفوري وصل الى 2 دولار بينما كانت العقود تصل الى 7 دولار لسنوات عديدة