مَـــقالْ / د.محمد احمد الشحاتي
كنت قد علقت أكثر من مرة على تقارير ديوان المحاسبة السنوية عموما وعلى الفصل الذي يتعلق عادة بقطاع النفط. من ناحية عامة فأني أقدر عاليا الجهد الكبير الذي يقوم به العاملون في الديوان في تحليل الدورة المالية للنفقات العامة واكتشاف مناطق القصور فيها، وفي نفس الوقت فأني لا زلت أميل إلى أن هذا التقرير لا يجب أن ينشر على العامة ألا بعد توجيهه للسلطة التشريعية وإتاحة الفرصة للجهات التي يتناولها في الرد عليه، سبب هذا هو خشيتي أن النشر المباشر سيؤدي إلى إفقاد التقرير أهميته وسيتم التعامل معه كمادة صحفية سياسية لا يرتب نشره أي مسئوليات وبالتالي الحساب عن الاخطاء. خشيتي للأسف تحولت إلى حقيقة وتراكمت تقارير الديوان بدون اتخاذ أي إجراءات تشريعية أو حكومية لإصلاح مكامن الخطأ التي تحاول التقارير لفت النظر إليها، بل على الأرجح تفاقمت بعد اكتشاف المخطئين أنهم يحظون بحصانة بشكل أو آخر ضد مفاجأة الحساب عن التقصير أو الخطأ المتعمد.
تقرير سنة 2021 يحمل فصلا جديدا عن الإجراءات الحكومية لمواجهة جائحة كوفيد-19 وغني عن القول إن إضافة مثل هذا الفصل لم تأت بجديد فما كان متوقعا حدث من ناحية استغلال الموقف الطارئ، فشل في التخطيط وعدم وجود رقابة فعالة سواء من ناحية مسبقة أو لاحقة، مترافقا مع فوضى إدارية ومستندية مما يتيح لأي مراقب أن يكتشف الأخطاء بسهولة.
لا بد من القول هنا أن التقرير نفسه رغم التحسن الذي يشهده على مر السنوات لايزال به نقاط ضعف متعددة. فهناك قصور واضح في ترجمة المعاني الفنية التي تخص كل قطاع على حدة مما يتسبب في الخروج أحيانا كثيرة بخلاصات خاطئة واستنتاجات غير صحيحة. ما أجده غير مستساغا أحيانا كثيرة هو توجيه الاتهام الجنائي الصريح عن أفعال معينة في نص التقرير بدون أسس قانونية مضبوطة. وبغض النظر عن الاتهام نفسه فالسؤال يثار هنا عن لماذا لم يقوم الديوان بتحويل أي متهمين للعدالة في قضايا تم الإشارة إليها في التقرير بالتحديد.
في الفصل المخصص لنقاش قطاع النفط يمكن الإشارة إلى بعض النقاط ومرة أخرى ليس من باب النقد الهدام للعمل الذي تم في إعداد التقرير، بل من خلال النقد البناء والذي مارسته من قبل وقد تلقيت إشادة من الأخوة في الديوان على بعض النقاط التي أثرتها سابقا. وكذلك ينبغي الإشارة إلى أنني لا أدافع على جهاز أو مؤسسة بقدر ما أحاول أن أصحح بعض المعاني الفنية من ناحية إحصائية واقتصادية.
في الجدول الأول “وهنا أشير إلى ضرورة ترقيم الجداول وعنونتها والذي لم يتم في التقرير” صفحة 286، ينبغي إصلاح المصطلحات الواردة فيه حيث يشير إلى “الغاز المكثف” والصحيح هو “مكثفات الغاز الطبيعي” ويشير إلى الغاز والصحيح هو “الغاز الطبيعي” لتفريقه عن “غاز البترول”.
في الإشارة إلى الخسائر غير المنظورة التي يتسبب فيها الاقفال وهي خسائر جسيمة بدون شك ألا أنه تم ذكر بعض الأسباب التي عليها جدال فني من ناحية ربطها بالإغلاق من ناحية علمية فنية وكان على محرر التقرير أن يتمهل في إضافتها في مثل هكذا تقرير.
في صفحة 287 يشير التقرير أن المؤسسة الوطنية للنفط حققت 5.9 مليار دولار عن مبيعاتها النفطية مضافا إليه 370 مليون دولار قيمة الإيجارات السطحية والاتاوات والضرائب وفي الحقيقة يجب التمييز بدقة هنا في مثل هكذا تقرير عن عوائد المبيعات من حصة المؤسسة الوطنية للنفط في الشركات المشغلة من ناحية والاتاوات والضرائب من ناحية أخرى التي تتقاضاها الدولة مباشرة بدون أن تكون المؤسسة طرفا محاسبيا فيها. صحيح أن هذا في النهاية يمثل دخلا للدولة الليبية، ولكن التمييز الفني هنا واجب لعدم خلط الاختصاصات.
في صفحة 288 يتعرض التقرير لنقطة هامة ومفصلية عن تسعير النفط، حيث يقول:
بداية النص من التقرير
“عدم توضيح المعادلة الخاصة بتحديد قيمة الزيادة او النقصان في سعر البرميل للنفط الخام، فضلا عن خلو التقارير الصادرة بخصوص التسعير من تواريخ إصدارها رغم انها معززة بتوقيع من مجلس الإدارة”
نهاية النص من التقرير
شخصيا كمتخصص في سوق النفط وفي قضية تسعيره اسمحوا لي أن أقول لكم أن هذا النص غير مفهوم اطلاقا، المشكلة أنه يتناول أهم نقطة في التقرير كله. أرجو منكم قراءته وإفادتي أن كنت مخطئا. النفط الليبي هو عدة أنواع من النفوط الخام تحمل مواصفات مختلفة لذا فهي تسعر كل على حدة وفقا لأوضاع السوق النفطية في لحظة التسعير. لا أناقش هنا القضية من ناحية فنية، ولكن محرر النص هنا يريد أن يوصل رسالة ما، ولكنه حقيقة خلط الأوراق ليقول بصورة ضمنية أن “سياسة تسعير المؤسسة للنفط الليبي غامضة”، هنا ينبغي على المحرر أن يعود ليشرح لنا لماذا يقول ذلك وللمؤسسة أن ترد على هذا ففي النهاية المؤسسة تبيع النفط وفقا لأسعار رسمية معتمدة.
موضوع الفواتير غير المحصلة وهو موضوع سبق اثارته في تقارير سابقة يبقى لغزا غير مفهوم والرقم المنشور وهو 3 مليار تقريبا رقم مزعج جدا وهو بكل الاشكال والتقديريات مبلغ خارج عن المسوح به تشغيليا من ناحية الحجم والزمن.
موضوع التكرير الذي أثاره التقرير موضوع في مغالطات اقتصادية وفنية كبرى من ناحية الخلاصة، تغطية 36% من المصافي المحلية في رأيي كافي نظريا من ناحية اقتصادية بالنظر إلى تكاليف التشغيل وتكاليف الفرص البديلة، بالطبع نحتاج إلى تطوير قدرات المصافي المحلية ولكن على الديوان أن يتجنب الادلاء بآراء غير مدعومة بالتحليل الاقتصادي السليم والذي يضع ضغط لاستثمار أموال عامة تنتهي بهدر الموارد هذا من ناحية نظرية أما من ناحية عملية فأنه يجب التشديد على أن المؤسسة الوطنية للنفط أو قطاع النفط الحكومي عموما لا ينبغي لهم أن يتورطوا أكثر في الصناعات النفطية خصوصا التكرير والبتروكيماويات وتكتفي بما عندها وتركز على تطوير الاستكشاف والإنتاج فقط.
في مقال قادم سأواصل تناول بعض الملاحظات الأخرى
مشاكل ومختنقات الاقتصاد الليبي
Views: 2,321