د. سليمان الشحومي
اليوم اكثر مشكلة اقتصادية تواجه ليبيا هي عدم قدرة المنظومة الاقتصادية علي العمل بشكل منسجم مع بعضها البعض ، فكل طرف من اطراف النظام الاقتصادي يغرد منفردا و صار ما يفرقهم اكثر مما يجمعهم.
النظام الاقتصادي يقوم علي ركائز متعددة تشكل الهوية الاقتصادية الليبية و تكسب النظام مذاقه الخاص و ترسم مظاهر طبيعته من حيث تركز النشاط و تنوعه و مساهمة القطاعات الاقتصادية به و شكل ونمط الملكية لا ادوات النشاط الاقتصادي و مدي التداخل بين القطاعين العام و الخاص في ادارة و تملك النشاط الاقتصادي ، النظام الاقتصادي الليبي يسير في متاهة بسبب تعرضه العنيف لصدمات شديدة التأثير علي ركائزه الاساسية و الفرعية معا.
اذا ركزنا الحديث عن النظام الاقتصادي خلال فترة الصراع المستمر منذ عشرة سنوات حتي الان ستجد انه يتركز في منظومة عميقة و مترهلة لدفع الاجور الحكومية وشبه الحكومية بالشركات العامة و منظومة اخري لادارة التجارة و التي تتركز في توريد كل شي من الخارج اعتمادا علي قدرة النظام علي سداد فواتير الاستيراد ، باقي اجزاء النظام الاخري تكاد تكون معطلة تماما.
فالنظام المصرفي الذي يعتمد عليه في ادارة الثروة الوطنية و تنميتها و تسخيرها للدفع بعملية التنمية عبر الاقراض العام لمشروعات تنموية و مشروعات اقتصادية خاصة معطل تماما وصار مثل خلية النحل المهجورة لا تعطي عسل و لكنها لازالت تجذب الدبابير اليها، فالثروات سحبت من البنوك وتحول القطاع الخاص و المواطنين اصحاب رؤس الاموال و الفاسدين من الدبابير التي تبحث عن استبدال سمها القاتل بعسل الاعتمادات و العملة الاجنبية ، فجل العملة بالتداول خارج المصارف و تديرها و تحميها الدبابير باسعارها القاتلة في مشهد زاد من تعقيدات و فشل النظام المصرفي الليبي تحت سمع و بصر كبير المصارف و مدير النظام المصرفي صاحب قارورة العسل الوحيدة.
بالمقابل انهارت باقي القطاعات الاقتصادية المعتمدة علي تمويل النظام المصرفي و زاد من حالة التوحد التي يعاني منها الاقتصاد الليبي ، و صار التصدير النفطي هو الامل الوحيد لاستمرار عمل منظومة الرواتب الحكومية و لاستمرار و تحسن منظومة الاستيراد الخارجية لكل شي ، و تراجع الاقتصاد الليبي الي حالة من البدائية و صارت الدبابير تحوم من مؤسسة اقتصادية الي اخري بحثا عن جرعات العسل النادرة، ام باقي المنظومة فتكاد تسقط و تنهار بسبب دوامة الصرع العنيف بين اطراف المنظومة الاقتصادية وغياب دولة المؤسسات ، وانعكست حالة التوحد الاقتصادي في ازدياد اهمال باقي الركائز التنموية بالاقتصاد الوطني الليبي و عدم تبني نموذج تنموي لكل قطاع من القطاعات الاقتصادية المتعددة .
ستظل الدبابير فرادي و جماعات تبحث عن العسل في كل مكان طالما لم نعدل النموذج الاقتصادي ونعيد تنظيم كل اجزاء النظام الاقتصادي ويعاد بناء العلاقة بين مؤسسات النظام الاقتصادي علي اسس من الشفافية و الحوكمة قبل ان تحول الدبابير النظام الاقتصادي الهش لساحة لتصفية حساباتها وتقتربه به رويدا رويدا نحو الانهيار الشامل