دكتور محمد بالحاج
في سابقة مكشوفة حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إستثمار الوضع الراهن لجائحة كورونا وذلك بإعلانه المصادقة على “أوّل” لقاح لجائحة كورونا وإعتماده كلقاح “فعّال” لفيروس كورونا الذي أشغل العالم بمخاطره وسرعة إنتشاره بالشكل الذي أذهل كبار العلماء في العالم وتحدّى كبار الحكّام والسياسيين في هذا الزمان الذي نعيش فيه.
لقد أعلن فلاديمير بوتين هذا اليوم عن إعتماد بلاده للقاح المسمّى “سبوتنيك 5” تيمّناً بإسم أوّل سفينة فضاء روسيّة أرسلت إلى الفضاء الخارجي. قال الرئيس بوتين لوسائل الإعلام التي أحضرت للمناسبة بأن إبنته كانت قد أخذت هذا اللقاح وهي الآن في صحّة تامّة وتنعم بالوقاية من هذا الفيروس المخيف. قال أيضاً بأن الكثير من أساتذة الجامعات والأطباء وأولئك الذين هم الآن في الواجهة لمقارعة وباء كورونا في روسيا كلّهم كانوا قد تعاطوا هذا اللقاح الأوّل في العالم لكوفيد-19 كما قال مفتخراً بالإنجاز الروسي في ميدان الطب والإكتشاف.
المعروف أن اللقاح الروسي المعلن عن إعتماده كان قد تجاوز المرحلة الثانية فقط في الإختبارات ولم يمر بالمرحلة الثالثة وهي المرحلة الأهم في أيّ عقار أو لقاح جديد. هذا الإعتماد المبكّر والغير قانوني من الناحية الطبيّة كان مبعثه سياسيّاً بإمتياز وقد يدخل في إطار الحرب الباردة الغير معلنة بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا.
إن إعتماد أي عقار أو لقاح أو دواء للإستعمال البشري قبل إجتيازه للمرحلة الثالثة من البحث وبإمتياز يعد سابقة طبيّة غير شريفة وغير سليمة ويمكن وضعه تحت بند “التطفّل المالي على حساب البحث العلمي”، وهو نهج غير سويّ وغير شريف وغير أخلاقي بكل المعايير.
المراحل التي يجب أن يمر بها أي عقار أو لقاح جديد
لأي دواء جديد أو لقاح كي يصبح معتمداً للإستعمال الإنساني لابد وأن يمر بأربعة مراحل يتم على نتائجها إعتماد المستخدم الجديد، ومرحلة خامسة تلحق الإعتماد الرسمي ولكن تكون على مدى أكبر وتحت المراقبة والمتابعة بخصوص أية مضاعفات جانبية أو تفاعلات مع أشياء أخرى يتعاطاها المريض:
المرحلة 0: وهي ترتكز على إختبار الدواء أو اللقاح الجديد من حيث إيجاد أصغر جرعة فعّالة. تستخدم تلك الجرعات على عدد صغير من المتطوّعين بين 15 – 30 متطوّعاً.
المرحلة 1: تكمن في إيجاد أكبر جرعة فعّالة بأقل عدد من المضاعفات الجانبيّة. وتستخدم جرعات متزايدة على عدد من المتطوّعين يتراوح بين 15 – 30 متطوّعاً تتم مراقبتهم بكل عناية.
المرحلة 2: إستخدام الجرعة الفعّالة على عدد أكبر من المتطوّعين لإختبار إستمرار الفعالية لمدة أطول، وغياب أية مضاعفات جانبية خطيرة. كل المتطوّعين للمرحلة الثانية تتم مراقبتهم بعناية فائقة والقيام بإختبارات دورية مبرمجة عليهم جميعاً ودراستها بإضطراد.
المرحلة 3: هذه المرحلة تتركّز على إختبار العقار أو اللقاح الجديد مقارنة بما هو مشابه له من المستخدمات المعروفة، ومقارنة الفعالية من ناحية والمضاعفات الجانبية بين الجانبين بدقة وبعناية. يكون عدد المتطوّعين لهذه المرحلة على الأقل 100 متطوّع لكل ذراع من التجربة.
المرحلة 4: وهي مرحلة المراقبة بعد إعتماد الدواء أو اللقاح الجديد لفترة من الزمن على ألاف من البشر يتعاطوا هذا المكتشف الجديد قبل أن يتحوّل الدواء أو اللقاح إلى مرحلة الإعتماد التام ويشرع في تسويقه بعد ذلك على مستوى العالم.
اللقاح الروسي الذي إعتمده فلاديمير بوتين هذا الصباح تجاوز المرحلة الثانية فقط ولم يعبر بعد بالمرحلة الثالثة اللازمة لإعتماد أي دواء أو لقاح جديد، وبذلك فإن هذا اللقاح الروسي هو معتمد قبل أوانه لأسباب سياسية وإقتصادية بحثة، والدافع الأساسي هو العجز الإقتصادي الكبير الذي تعاني منه روسيا ومحاولة بوتين دخول السوق العالمي قبل غيره بهدف بيع مليارات من الجرعات لمختلف دول العالم التي تعاني الآن من تفشّي الفيروس بين مواطنيها والتي تعاني أيضاً من ركود إقتصادي فريد من نوعه وهي مستعدّة لعمل أيّ شئ من أجل إنقاذ إقتصادها وذلك بتهيئة كل الظروف لفتح المتاجر والمصانع ومنافذ التصدير والإستيراد وأكثر من كل ذلك إنعاش الجانب السياحي الذي يدر مليارات من الدولارات على الكثير من بلاد العالم وخاصة تلك المطلّة على البحر المتوسّط. رجائي من جهاتنا المعنية في ليبيا أخذ الحذر والحيطة قبل الإقدام على أية تعاقدات شرائيّة حتى لا نكون نحن سبباً في إيذاء مواطنينا.