نشر مركز جامعة بهتشة شهير للإستراتيجيات البحرية والعالمية (BAUDEGS) والذي يرأسه الجنرال المتقاعد جهاد يايجي، قائد أركان البحرية التركية السابق دراسة استعرض فيها التطورات في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية الصراع حول الطاقة المكتنزة داخل البحر.
أظهرت الدراسة أن تركيا وعلى مدار أكثر من 20 عاما حاولت بكل السبل أن تنهج النهج التشاركي مع الدول المتشاطئة معها، غير أن اليونان كانت دائما تميل نحو الفردية واتباع الإقصاء.
الدراسة توصلت إلى أن اتفاقيات ترسيم الحدود مع ليبيا أكسبت الأخيرة مساحة بحرية أكبر بكثير مما لو كانت الاتفاقية تمت مع اليونان وهو ذات الأمر ينسحب مع كل من لبنان ومصر وحتى إسرائيل، بحيث تكسب هذه الأطراف الثلاثة من خلال اتفاقيات ترسيم حدود بحرية محتملة مساحات بحرية كبيرة ما يعني زيادة حصة هذه الدولة في اقتسام الثروات.
وبين المركز في مستهل دراسته أن الطاقة باتت مصدر الصراع الرئيسي في البحر الأبيض المتوسط فيما يؤجج من ذلك مواصلة اليونان وإدارة قبرص الرومية تجاهل حقوق تركيا في البحر المترامي وتعمد على تشكيل مبادرات للسيطرة على المياه، مما يقوض حقوق الدول المشاطئة الأخرى.
جمهورية جنوب قبرص (قبرص الرومية)، أعلنت في 2 أبريل/نيسان 2004 ما يعرف بالمنطقة الاقتصادية الخاصة كما تم توقيع اتفاقيات ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر في 2003 ، ولبنان في 2007 وإسرائيل في 2010.
وأشارت الدراسة إلى أن عمليات البحث بدأت في 13 حقلا وذلك في 26 من يناير/كانون الأول وبعدها، تم إجراء 3 جولات من مناقصات الترخيص (مايو/أيار 2007 ، ديسمبر/كانون الأول 2012، مارس/آذار 2017) في هذه المجالات من 1 و4 و5 و6 و7 من شرق البحر الأبيض المتوسط، وهي مناطق الجرف القاري لتركيا ومن المرجح أن تتداخل جزئيا مع المناطق الاقتصادية الخالصة لها.
تم توقيع اتفاقية مع شركتي ENI وTOTAL لما يسمى بالقسم رقم 7 في 17 سبتمبر/أيلول 2019، من قبل إدارة قبرص الرومية ثم تبعه اتفاق آخر مع شركة TOTAL للأقسام 2 و3 و8 و9. وبالنهاية بين العامين 2019 و2020 أعلنت اليونان وقبرص الرومية استهدافها 9 مناطق حفريات في ذات المنطقة.
بالإضافة إلى الإدارة القبرصية اليونانية، تتواصل الجهود لرسم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر وليبيا على أساس خط وهمي يربط بين الجزر اليونانية وأبرزها كريت وكاسوت وكيربي ورودس وميس.
في هذا المجال؛ يعد توقيع اتفاقيات بين اليونان ومصر واليونان مع إدارة قبرص الرومية بشأن تقاسم مناطق الاختصاص البحري “أسوأ سيناريو يمكن أن يضر بحقوقنا ومصالحنا الوطنية”.
في مثل هذه الحالة، يقول المركز: إن “منطقة ولايتنا البحرية التي تبلغ حوالي 186 ألف كيلومتر مربع الناشئة عن القانون الدولي، ستقتصر على 41 ألف كيلومتر مربع وسيتحقق سيناريو ما يسمى بخريطة إشبيلية”.
جهود تركيا
وهذه الخطة إن حدثت فهي تستهدف تركيا بالدرجة الأولى. وأوجزت الدراسة جهود تركيا في الحفاظ على حقوقها البحرية من منظور القانون الدولي كالتالي:
في 2 مارس/آذار 2004، وقعت تركيا مذكرة مع الأمم المتحدة المرة الأولى لترسيم حقوق السيادة على خط الطول الغربي 32o 16’’ 18’ (تكررت لاحقا عدة مرات).
في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2005، أصدرت تركيا مع الأمم المتحدة مذكرات تفاهم حول خط الطول 32o 16 ’18’ إلى 28 درجة شرقا وتم الإبلاغ عن أن المناطق البحرية في شمال خط العرض 34 درجة شمالا هي جرفها القاري الخاص بها وستمتد إلى الغرب حتى تصل حدود الجرف القاري التركي اليوناني في بحر إيجة إلى البحر الأبيض المتوسط في غرب خط الطول 28 درجة.
في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2005، أعطت تركيا مع الأمم المتحدة ملاحظات بين خطي طول 32 درجة و16 و18 و28 درجة شرقا أن هذه المناطق البحرية الواقعة شمال خط العرض 34 درجة شمالا وخط العرض 34 درجة شمالا شمال مناطق البحر تعتبر هي الجرف القاري الخاص بها.
كما أفادت التقارير أن غرب خط الطول 28 درجة شرقا سيمتد غربا حتى النقطة التي تصل فيها حدود الجرف القاري التركي اليوناني في بحر إيجة إلى المتوسط.
في عام 2006، أطلقت القوات البحرية التركية مناورات درع البحر الأبيض المتوسط في المنطقة ووقعت اتفاقية ترسيم حدود الجرف القاري مع جمهورية شمال قبرص التركية في 21 سبتمبر/أيلول 2011.
بعد الإعلان عن مجلس وزراء جمهورية شمال قبرص التركية بحلول 22 سبتمبر/ألول 2011 في تركيا، تم منح تراخيص تشغيل الهيدروكربونات البترولية للشركات في جميع أنحاء جزيرة قبرص.
في 27 أبريل/نيسان 2012، وبقرارات من مجلس الوزراء آنذاك، تم الاتفاق على تجديد الترخيص لشركة Türkiye Petrolleri Anonim Ortaklığı بعد إعطائها الإذان في 9 أغسطس/آب 2007 وتستند الحدود الغربية لهذه المواقع على خط الطول 028 درجة شرقا.
في 12 مارس/آذار 2013 وفقا للملاحظات بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فإنه وبدءا من خط الطول 32o 16 – 18 ‘شرقا والخط الوسط الواصل بين مصر وتركيا، فإن المنطقة الواقعة بين خط الطول 28 درجة شرقا هي الجرف القاري التركي فيما أُعلن أن الجرف القاري غرب خط الطول 28 درجة شرقا سيتم تحديده باتفاق بمشاركة الدول المعنية.
مع المذكرة المقدمة إلى الأمم المتحدة في 18 مارس/آذار 2019، تم تأكيد الحدود المذكورة.
وبمذكرة مؤرخة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أُعلن أن الحدود الغربية للجرف القاري التركي تمر عبر المياه الإقليمية للجزر المعنية غرب خط الطول 28º 00 شرقا، وأن الجزر لا يمكنها إغلاق الجرف القاري التركي.
خلال ذلك بالفعل، بدأت تركيا بجميع عمليات البحث والتفتيش والتنقيب عن الغاز تحت حماية سفنها العسكرية وجرى منع الأنشطة غير المصرح بها (20 سفينة، سفينة حفر واحدة، معظمها في السنوات الثلاث الماضية).
ويقول المركز: “نتيجة لقراراتنا الصارمة، قررت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شركتا إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية عدم الحفر فيما يسمى الجزء السابع من قبرص الرومية”.
ومع ذلك، في حين أن الدول أو الحكومات الأخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط تعتمد على المنطقة الاقتصادية الخالصة (بما في ذلك قاع البحر والمسطحة المائية وجميع الموارد الحية وغير الحية الموجودة عليها)، اعتمدت تركيا على جرفها الخاص ولم تدخل نهائيا إلى الموارد في قاع البحر.
وعلى الرغم من كل النوايا الحسنة التي تبديها تركيا وتعلن عنها دوما واصلت اليونان وإدارة قبرص الرومية تجاهل ذلك والتصرف وكأن تركيا ليس لها أدنى حقوق في المتوسط، وفق الدراسة.
السواحل مع ليبيا
وذكرت الدراسة أنه وفي مثل هذه الظروف في عام 2009، كانت مناطق الاختصاص البحري في تركيا حتى ذلك اليوم مجرد خريطة خاطئة تم رسمها لأساليب استخدام الخطوط العمودية التي تلت ذلك.
بهذه الطريقة لوحظ أن هناك دراسات وإعلانات فقط عن سواحل تركيا المشتركة مع مصر. ومع ذلك، فقد بدأت دراسة علمية، مع الأخذ في الاعتبار أن “لدينا سواحل مشتركة مع ليبيا وأنه يجب استخدام الخطوط القطرية كما فعلت الإدارة القبرصية اليونانية ومصر ولبنان وإسرائيل واليونان”.
تم تحويل هذه الدراسة إلى مقال وتم إصداره في عام 2011 و في غضون ذلك، جرى تقديم هذه الدراسات الأكاديمية للقادة المعنيين ومنهم إلى رئيس الوزراء وقتها رجب طيب أردوغان وقد رحبوا بهذه الدراسة.
وتقول الدراسة: “عندما ذهبنا إلى ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وكان وقتها معمر القذافي في كرسي الرئاسة تم إحاطته كذلك بكثير من التفاصيل والمعلومات حول الدراسة، لكن لم يلبث أن اندلعت ثورات الربيع العربي وحدث ما حدث وبقيت الدراسة وهذه الخطة حبيسة الأدراج لكن الكثير من الدراسات والكتب والمؤلفات المشابهة والتي توصلت لذات النتيجة تم نشرها وطباعتها خلال تلك الفترة”.
أخذ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار هذه المهمة على محمل الأهمية وكان يفكر فيها بشكل دائم وعليه ولذا أجرى حركات دبلوماسية مكوكية مع نظرائه الليبين برعاية من رئيس وزارء ليبيا فايز السراج مرات اسثنائية عديدة.
وبعد ذلك نتج عنها توقيع مذكرة تفاهم ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019 ونتج عن ذلك المنطقة الاقتصادية الخالصة المشتركة بين أنقرة وطرابلس.
وتقول الدراسة: “مثلت هذه الاتفاقية درعا يحمي البلدين من الخطط التي تحكيها ليل نهار كل من اليونان وقبرص الرومية ومصر”.
وأبطلت الاتفاقية جهود اليونان وقبرص الرومية المدعومين من الاتحاد الاوروبي، للتذريع باتفاقية سيفير أو ما يعرف بخريطة إشبليية وحصر تركيا في مساحة لا تزيد عن 41 ألف كم من البحر وباتت هذه الألاعيب السياسية معطلة تماما.
سينايورهات المنطقة
بات السيناريو الأسوأ هو توقيع اتفاقية بين اليونان وقبرص الرومية وبين اليونان ومصر.
وتساءلت الدراسة أنه وبعد هذه الاتفاقية ما هي الخطوات المحتملة لكل من اليونان وقبرص الرومية؟، مبينة أن لدى اليونان ومن خلفها الادارة القبرصية التابعة ثلاثة سيناريوهات محتملة وهي على النحو التالي:
قد توقع أثينا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع القاهرة (تم ذلك بالفعل في أغسطس/آب 2020). وفي هذه الحالة، ستفقد مصر 15000 كيلومتر مربع من المساحة البحرية الخاصة بها مقارنة بتوقيع اتفاقية مشابهة مع تركيا.
قد توقع أثينا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص الرومية. ويقول المركز: “يتصرف هذان الجانبان كما لو كانت هناك بالفعل اتفاقية ترسيم حدود ضمنية”.
ومع ذلك، فإن هذا الخط مطلوب لتوقيع اتفاقية قانونية بين تركيا والإدارة القبرصية الرومية وكذلك بين أنقرة وأثينا لتكون الاتفاقية قانونية تماما وسارية المفعول.
ومن الممكن أن تقدم كل من قبرص الرومية واليونان بالفعل على اتفاقية كهذه، لكن يقول المركز: “لن يكون لهذه الاتفاقية أي معنى لأنه لا يمكن تطبيقها عمليا على أرض الواقع”.
من ناحية أخرى، في حالة توقيع اتفاقية اليونان-قبرص الرومية لتغطية جميع المناطق بدون الخطوط المتشابكة بينها، سيتم انتهاك أي قواعد وأعراف ومبادئ في قانون البحار، ولن يتم دعم هذه الاتفاقية من قبل الأطراف الأخرى.
يمكن للثنائي اليونان والإدارة القبرصية الرومي، دعم مناطق ولاية حفتر البحرية في ليبيا لإعلان بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية.
فبتوقيع اتفاقية بين حكومة الوفاق الليبية وتركيا فإنها حظيت بمساحة بحرية زادت 16700 كم عما لو كانت طرابلس وقعت هذه الاتفاقية مع أثينا.
هذا عدا عن أن الدعم الإيطالي لهذه الاتفاقية يكسبها أيضا 39 ألف كم بحري. وعليه أي طرف ليبيي يقوم بتوقيع أي اتفاقية مع اليونان سيكون فيه مخالفة تمامة للمصالح الوطنية الليبية.
3 أطراف فاعلة
وأوصت الدراسة بالتواصل مع أربعة أطراف فاعلة سواء وخاصة الرأي العام فيها وهي كل من لبنان ومصر وإسرائيل على الشكل التالي:
لو وقع لبنان اتفاقية مع قبرص الرومية فهذا يعني فقدان 3.957 كم من الحدود البحرية ومن الضروري شرح ذلك لبيروت والرأي العام اللبناني، تؤكد الدراسة.
كذلك، هناك ضرورة للتأكيد على الجمهور المصري أنه لو وقع اتفاقية مع قبرص الرومية، فإنه سيفقد 11.500 كم من المساحة البحرية الخالصة لمصر.
وبناء على تصريحات أدلى بها نيكوس أ. رولانديس، وزير التجارة والصناعة والسياحة في قبرص الرومية “من المهم للغاية تحديد الخط الأوسط باعتباره الحدود”.
لكن الشيء المهم هنا أنه لو تم بالفعل توقيع اتفاقية كهذه مع مصر فإن قبرص الرومية ستتمتع بسيادة بحرية متضاعفة 4 مرات فيما لو لم تكن هذه الاتفاقية حاضرة.
وعليه من المهم التركيز والشرح للإدارة المصرية والرأي العام المصري أن التوقيع على اتفاقية مصرية تركية أجدى بكثير جدا من اتفاقية بين مصر واليونان، يقول المركز التركي.
كذلك من المهم إعلام الرأي العام الليبي بهذه التفاصيل وأن اتفاقية أنقرة مع طرابلس أكسبت الأخيرة 16.700 كم بحري وستكسب أيضا 39000 كم بحري فيما لو تم توقيع اتفاقية أخرى مع اليونان وإيطاليا في ضوء الاتفاقية الليبية البحرية، وفق المركز.
ويتابع في السياق: “لو وقعت إسرائيل اتفاقية مع اليونان ستخسر 4.600 كم من المساحة البحرية. في المقابل لو وقعت اتفاقية مشابهة مع تركيا ستزيد من مساحتها البحرية وستكسب 16.344 كم بحري”.
وهكذا يكون حقل أفروديت للغاز والذي يقع على بعد نحو 34 كيلومتر غربا من حقل ليفياثان للغاز الإسرائيلي؛ جنوب جزيرة قبرص وبه الغاز الطبيعي، ضمن ما يعرف بـ “القطاع 12” والتابع للإدارة القبرصية الرومية تحت السيادة الإسرائيلية.
كما ستكون المناطق 1 و7و8و9و10و1 خاضعة لـ”تل أبيب”، بينما تقع سيادة تركيا على القسم 1 و5 و6 و7.
ويقول المركز: “الجميع يعرف أن حقلا مثل أفروديت يتمتع بـ125 مليار متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي”.
وختمت الدراسة توصياتها أنه وفي المرحلة التالية “يجب إعلان خرائط وإحداثيات منطقتنا الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط للأمم المتحدة”