د. أحمد محمد
نعقد في شهري مارس واكتوبر من كل سنة الاجتماع المشترك لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي هذه المناسبة يتم نشر التقرير الأساسي للاقتصاد العالمي وهو توقعات الاقتصاد العالمي عن صندوق النقد الدولي ويغطي هذا التقرير التطورات التي جرت على الاقتصاد العالمي خلال الفترة 6 شهور. التقرير يغطي التجمعات الاقتصادية وأهم الدول العالمية مثل الولايات المتحدة الامريكية والصين والاتحاد الأوربي. يحوي التقرير ملحقا احصائيا مطبوعا على هيئة PDF يشير إلى بعض الأرقام الرئيسية لكل الدول ولكنه يحوي في نسخته الالكترونية على قاعدة بيانات متكاملة إلى حد بعيد لكل دولة على حدة وعلى المجموعات الاقتصادية والجغرافية.
هناك الكثير من النقد يمكن أن يوجه للتقرير من ناحية تجميع المعلومات ومنهجية التحليل ولكنه يبقى مرجعا أساسيا لاستشراف المستقبل مما يتيح وضع الخطط الاستراتيجية على مستوى الاقتصاد الكلي. وتساهم الأجهزة الحكومية للدول الأعضاء بتقديم البيانات التاريخية التي
تغذي البرنامج التحليلي المعتمد من الصندوق ولكنها لا تسهم في اشتقاق التوقعات.
بالنسبة لليبيا فأن قاعدة البيانات للتقرير تحوي العديد من البيانات والتوقعات عليها. هناك مشكلة في تأخر بعض بيانات الحسابات الوطنية مثل حساب الناتج المحلي الإجمالي حيث إن آخر بيان تاريخي له في سنة 2017 وكذلك الميزان التجاري، وهو ما قد يشتت التوقعات عن الواقع مقارنة بالدول الأخرى.
وقد ألقيت نظرة على التوقعات الواردة في التقرير الأخير وأود مشاركتها معكم وطرحها للنقاش إن أمكن. التوقعات واضحة بذاتها وهي تركز على أهم المؤشرات الاقتصادية. تقديري أن هناك انحرافات واضحة خصوصا فيما يخص الناتج المحلي الإجمالي تاريخيا وهو أهم مؤشر حيث يتوقع التقرير انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 55 مليار دينار في 2019 إلى 30 مليار دينار في 2020 بنسبة مئوية قدرها -66% كما هو موضح في الرسم الذي يعكس تطور الناتج المحلي الاجمالي. حقيقة أعتقد أن هذا الرقم الخاص بسنة 2020 متفائل جدا خصوصا في ظل توقف الصادرات النفطية خلال السنة. كما أني غير مرتاح لاتجاه الزيادة السنوية للناتج المحلي الإجمالي وافترض أن صندوق النقد الدولي يفترض عودة كاملة للإنتاج النفطي في فترة قصيرة تتعارض مع التحفظ المفترض في مثل هذه التحليلات. للأسف فأن صندوق النقد لا يعرض افتراضاته فيما يخص الإنتاج النفطي المتوقع في ليبيا في الفترة 2021-2025.
السلاسل الزمنية التي اخترتها لكم تغطي الفترة 2015-2017 ويحسب الصندوق الدولار الحقيقي بمستويات سنة 2017 كسنة أساس.
بعض النتائج الممكن استخلاصها واستعمالها في التخطيط الاقتصادي المستقبلي:
النتيجة الأولى تشير إلى أنه وبالرغم من افتراض نمو اقتصادي سيصل إلى 76% في 2021 مقارنة بمستوى سنة 2020 ألا أن مستويات التضخم ستبقى مرتفعة إلى حد كبير ما سيضيف 90 نقطة مئوية في 2025 مقارنة لمستويات 2019، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على مستوى الحياة في البلد.
يتضح من التوقعات أن المشكلتان الاساسيتان هما الاستثمار والانفاق الحكومي. حيث سيستمر العجز في الانفاق الحكومي إلى سنة 2025 وسيصل حسب التوقعات إلى -213 مليار دولار وهو ما يحسب 5 سنوات من الناتج المحلي الإجمالي. وما سيزيد المشكل تفاقما هو استمرار توقع الصندوق للانخفاض المستمر في مستويات الاستثمار نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
أما بالنسبة للاستقرار النقدي الخارجي والذي سيؤثر على قيمة الدينار الليبي فالصندوق يتوقع استمرار العجز في الميزان الجاري حتى سنة 2025 بالرغم من تناقصه وهذا سينعكس في تزايد الفجوة في تقييم الناتج المحلي الإجمالي بالدينار والدولار لصالح الدولار وهو إشارة لمزيد من الضغوط على قيمة الدينار الليبي
وفقا لهذا فأن أي برنامج اصلاح اقتصادي يهدف إلى تفادي تحقق النتائج السلبية المذكورة أعلاه يجب أن يتركز على
أولا: رفع مستويات الإنتاج المحلي الإجمالي وهذا يتأتى عن طريق الدفع برفع الإنتاج النفطي
ثانيا: تخفيض الانفاق الحكومي مهمة حاسمة حيث إن عجزا يصل إلى ما قيمته 5 سنوات من الإنتاج المحلي يمكن رؤيته نظريا فقط ولكنه ذو عواقب وخيمة على الاقتصاد الواقعي ومستوى معيشة الافراد
ثالثا: يجب إيجاد طرق لتحفيز الاستثمار في الاقتصاد المحلي بتشجيع القطاع الخاص على الخوض في نشاطات جديدة واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النفط والطاقة
رابعا: يجب النظر في السياسات التجارية ومحاولة تقليل الواردات حيث يتوقع أن يصل عجز الميزان الجاري إلى مستويات غير مستدامة بأجمالي 49 مليار دولار سنة 2025، وهذا سيؤثر جديا على قيمة العملة المحلية.