عبر مصر دول الخليج تدخل سباق تعمير ليبيا

محمد حماد -العرب – القاهرة

– يشارك وفد كبير من جمعية رجال الأعمال المصريين في منتدى الاستثمار العربي المقرر عقده في طرابلس في سبتمبر المقبل لمناقشة فرص الاستثمار التي سيتم عرضها خلال فعاليات المؤتمر.
وحصلت “العرب” على معلومات تؤكد أن المنتدى سوف يشهد مشاركة فاعلة من شركات تابعة لكل من الإمارات والسعودية والكويت للحصول على جزء معتبر من فرص الاستثمار المتاحة في السوق الليبية.
وبدأت الشركات العربية من الآن استعداداتها لسيناريوهات العمل في السوق الليبية التي تحتاج جميع مقومات التنمية، بعد أن عصف الاقتتال على مدار عشر سنوات بغالبية المرافق الحيوية.


وتخيم على أجواء المنتدى تكتيكات جديدة، حيث تعتمد الشركات الخليجية الكبرى في دخول السوق الليبية على البوابة المصرية، في وقت تعمل أذرع كبرى الشركات من الإمارات والسعودية والكويت في مصر بشكل مكثف وتسهم في مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الاستثمارية.
وتستحوذ شركات خليجية على شريحة كبيرة من مشروعات مصر التي تشيدها في المدن الجديدة المنتشرة في مختلف المحافظات، ومن أهمها العاصمة الإدارية في شرق القاهرة، ومدينة العلمين على ساحل البحر المتوسط.
ومن هذه الشركات إعمار وداماك، الدار والاتحاد العقارية من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة القابضة، مجموعات فواز الحكير والشربتلي، من السعودية، ومنازل، مدن للتنمية، أجيليتي والخرافي من الكويت.
وتمكن المجالات المتنوعة للشركات الخليجية العاملة في مصر من المساهمة في الأنشطة المختلفة التي تحتاجها عمليات إعادة الإعمار، لكن مصر تقف في دور المنافس القوي في ما يتعلق بالعمالة وتصدير مواد الإعمار، بسبب قرب المسافة إلى ليبيا التي تصل لنحو سبع ساعات
وهناك تاريخ طويل بين مصر وليبيا في هذه النقطة إلى درجة أن عددا من العمالة المصرية فضل البقاء في أسوء ظروف الانفلات الأمني التي شهدتها ليبيا.
وتفتح فورة الأعمال المرتقبة في عمليات إعادة الإعمار فرصا كبيرة أيضا لتونس، وتمكنها من تصدير المواد الغذائية ومستلزمات الإعمار للسوق الليبية، الأمر الذي يجعل عمليات إعادة الإعمار متنفسا لتنشيط اقتصادي مصر وتونس وتعظيم عوائد الأموال للشركات الخليجية.
ويقول خبراء إنه من الممكن تكرار سيناريو تناغم التعاون المصري – الخليجي المرتقب على الأراضي الليبية في عدد من الدول التي تحتاج بشكل كبير لإعادة الإعمار، وقد يتطور التعاون لتدشين كيانات مشتركة في ظل حاجة عمليات إعادة الإعمار إلى قدرات تمويلية وفنية وبشرية ضخمة.
وتعد التركيبة الجديدة لسيناريوهات الدول المشاركة في منتدى طرابلس رسالة واضحة لتركيا التي تعمل منذ فترة للفوز بعمليات إعادة إعمار ليبيا.
وفي سبيل هذا الطموح نظمت تركيا عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 الدورة الثانية من مؤتمرها “التعاون الصناعي العربي – التركي” في مدينة بنغازي في يونيو 2012.
وطرحت أنقرة خلال المؤتمر جميع أشكال الدعم وصلت إلى بناء عدد من المرافق العامة بالمجان، مقابل الفوز بكعكة إعادة الإعمار لاحقا.
وشاركت مصر في حينه بوفد ضم أكثر من 50 مستثمرا في مجالات التشييد والبناء والاستشارات الهندسية والصناعات الغذائية والأجهزة المنزلية والإلكترونية. لكن تصاعد الأحداث العسكرية بعد المؤتمر بدد أطماع الوفد التركي في حينه، والتي تجددت باستخدام أنقرة الأدوات العسكرية لتكريس نفوذها.
وقال فتح الله فوزي رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين إن الجمعية بدأت في وضع خطة المشاركة للوفد المصري الذي يشارك في فعاليات المنتدى، بوصفها منظما رئيسيا في الحدث.
وأضاف لـ”العرب” أن الوفود الخليجية المشاركة في المنتدى تضفي زخما كبيرا، لأن شركات العقارات الخليجية تمتلك فوائض أموال تمكنها من المشاركة بشكل فعال في منظومة إعادة الإعمار.

وكشفت مصلحة التخطيط العمراني الليبية خلال اجتماع مشترك بالقاهرة مع لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين مؤخرا عن حاجة ماسة للسوق الليبية في مجال الإسكان حجمها 400 ألف وحدة سكنية.
ومطلوب بناء نحو 250 ألف وحدة سكنية على الفور، إلى جانب 150 ألف وحدة على المدى المتوسط، ثم السير في خطة تستهدف بناء 30 ألف وحدة سنويا لمواجهة الزيادة السكانية.
وتحتاج هذه الفورة البنائية قدرات مالية وفنية لا يمكن تلبيتها إلا من خلال تكتلات عملاقة يمكن تحقيقها عبر التعاون المصري – الخليجي الذي يضمن ملاءة مالية كبيرة واستدامة في سلاسل إمداد المشروعات بالمواد الخام.
وبدأت القاهرة في اتخاذ خطوات عملية لاقتناص فرص المشاركة في إعادة إعمار ليبيا، وأعلنت أخيرا عن تدشين عشر مناطق لوجستية في مدينة السلوم في محافظة مرسى مطروح المتاخمة للحدود الليبية.
وتتيح هذه المناطق التي تصل مساحتها لنحو 400 ألف متر مربع توفير جميع البضائع التي تحتاجها ليبيا، بما يعزز سهولة تدفق المنتجات المصرية.
وعبر هذه المناطق التي تتخصص في مواد البناء والمنتجات الغذائية والأجهزة الكهربائية، تتمكن المنتجات المصرية من النفاذ إلى السوق الليبية بدون رسوم جمركية وفقا للاتفاقية العامة للتكامل الاقتصادي التي وقعت عام 1990 وتم تعديلها عام 2004، بشرط أن تحمل المنتجات شهادة منشأ مصرية، وألّا يقل المكون المصري بها عن 40 في المئة.
ورغم أهمية التحرك المصري الخليجي نحو السوق الليبية، يصعب تجاهل القوى الكبرى، ومنها الولايات المتحدة التي تمتلك شركة “بكتل” عملاق إعادة الإعمار عالميا، وتعد واشنطن أكبر رابح في هذا المجال دوليا من خلال العقود التي تفوز بها ذراعها لإعادة الإعمار، حيث فازت “بكتل” بنصيب الأسد في مشاريع إعادة إعمار العراق.
وكشف التقرير السنوي للشركة أنها تستثمر في 53 بلدا، وحققت إيرادات بنحو 25.5 مليار دولار العام الماضي، وفازت بعقود جديدة قيمتها 17.3 مليار دولار.
ودفعت الولايات المتحدة بقوتها الاقتصادية لتهيئة أجواء قنص فرص الاستثمار في السوق الليبية عبر غرفة التجارة الأميركية في طرابلس، والتي نظمت لقاء افتراضيا حضره عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية.
وأكد السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند خلال اللقاء أن بلاده تتطلع للعمل مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومبعوثها الخاص إلى الولايات المتحدة محمد علي عبدالله للتباحث حول طرق زيادة المساهمة التي يمكن أن يقدمها الاستثمار الأميركي بهدف تحسين حياة الليبيين وتنويع الاقتصاد الليبي، وهي إشارة صريحة حول استعداد الشركات الأميركية لقنص فرص الاستثمار.
ودخلت بريطانيا في محادثات مباشرة مع ليبيا التي تصنف عالميا ضمن الوجهات التنموية الأكثر نموا في السنوات المقبلة لأنها بحاجة لجميع المرافق والاستثمارات في جميع القطاعات، وترغب لندن في الفوز بصفقات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي والبنية الأساسية الرقمية في ليبيا.
وعلى نفس الخطى سارت فرنسا حيث سارعت بافتتاح سفارتها التي أغلقت قبل سبع سنوات لدخول سباق المصالح الاقتصادية، حيث تمتلك “توتال” الفرنسية حقوق التنقيب في عدد من الحقول النفطية لليبية، ولها أهداف حيوية من وراء المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار.
وأكد طارق الإدريسي نائب رئيس الجمعية المصرية – الليبية المشتركة لرجال الأعمال والمستثمرين عن خطة عمل تعكف الجمعية على تنفيذها في الفترة المقبلة بما يعزز من المصالح المشتركة لرجال الأعمال في البلدين، من ملامحها دعم الشركات المصرية وتحالفاتها في عمليات إعادة الإعمار.
وأوضح لـ”العرب” أن زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مؤخرا برفقة 11 وزير إلى ليبيا كانت رسالة طمأنة مهمة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، كما تبعتها مباحثات الأسبوع الماضي في القاهرة بين رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار وصندوق الثروة السيادي الليبي، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وتشير هذه التحركات إلى أن المسارات الاقتصادية قاربت على التنفيذ الفعلي في مشروعات بعينها على أرض الواقع، وأن التحالف المصري – الخليجي سوف يلعب دورا مؤثرا في المجال الاقتصادي، ويحمل معه انعكاسات في مجالات أخرى.

 

 

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

المزيد من الأخبار

القائمة