مَـقـــالْ / نورالدين رمضان حبارات
المخزون الإستراتيجي الغدائي و كما هو معروف هو كميات السلع الغدائية التي يجب الإحتفاظ بها في مخازن دولة ما ( القطاعي العام و الخاص) لسد حاجة المواطنين لفترة معينة بين 3 إلى 6 أشهر أو أكثر .
و يشمل المخزون الإستراتيجي الغدائي عادةً القمح أو الدقيق و الزيت و السكر و الأرز و الذرة و معجون الطماطم إلى جانب اللحوم و الألبان و مشتقاتها و غيرها.”
و نظراً للإهمية القصوى للمخزون الإستراتيجي الغدائي فإن معظم حكومات العالم هي من تشرف على تكوينه و تضع له الخطط و الإستراتيجيات اللازمة لتأمينه فهو بمثابة داعم لها أثناء الأزمات و الركود الإقتصادي ، كما إنه يساعد في تأمين التقلبات غير المتوقعة في الأسعار التي تتعرض لها تلك السلع بسبب التراجع المفاجيء في الانتاج المحلي أو بسبب الكورات الطبيعية كالزلازل و الفيضانات و حالات إنتشار الأوبئة أو حتى بسبب التغيرات السياسية جراء إندلاع الثورات أو الحروب ، كما يساعد المخزون الإستراتيجي الغدائي في الموازنة أو الموائمة بين العرض و الطلب من تلك السلع و بما يحافظ على إستقرار الأسعار من خلال الحد من إرتفاعها و بما يجعلها متاحة للمواطنين و هذه إحدى أهم وظائفه و مبرر تكوينه .
و صحيح أسعار الغداء العالمي تشهد حالياً أرتفاع ملحوظ في الأسعار لأسباب عدة تطرقنا إليها في وقت سابق ، فإنه و في ليبيا فبالإضافة إلى تخفيض قيمة الدينار و إرتفاع تكلفة الشحن البحري فإن غياب أو عدم كفاية المخزون الإستراتيجي الغدائي يبقى أحد أهم أسباب إرتفاع أسعار الغذاء في السوق المحلي .
فرئيس اللجنة العليا لمتابعة المخابز حذر أول أمس من إن قنطار الدقيق المكون الرئيس لرغيف الخبز قد وصل إلى 225 دينار و مرشح للمزيد من الإرتفاع في الفترة القادمة بعد أن سجل 178 دينار في أغسطس الماضي .
و في أثناء الشهر نفسه حذر مسؤول بالشركة العامة للمطاحن و الأعلاف بإن مخزون الدقيق في وضع حرج و لا يكفي لمدة ثلاثين يوم و إن مخزون الشركة منه يتراوح ما بين 25 إلى 27 ألف طن فقط داعياً الحكومة إلى وضع إستراتيجيات و أليات واضحة للتوريد و التوزيع .
و الغريب إنه و بعد أربعة أشهر من تلك التحذيرات و من مغبة إندلاع الأزمة فيبدو إن الحكومة تقف اليوم عاجزة عن مواجهتها .
بل هذا يعزز الفرضية القائمة بإن الحكومة ليس لديها أو إنها لم تكن تخطط لتكوين هذا المخزون الإستراتيجي من هذه المادة .
ففي ظل وجود هذا المخزون كان من الممكن سد الفجوة او النقص في المعروض لمواجهة الزيادة في الطلب و إستقرار الاسعار و لو لأشهر .
و في الوقت الذي تولي فيه جميع الدول أهمية كبيرة جداً للمخزون الإستراتيجي الغدائي حيث لديها وزارات و هيأت تشرف على توريد القمح و توزيعه و تحدد إحتياجاتها السنوية من هذه المادة أو السلعة الإستراتيجية و ضبط أسعارها ، كما تولي و في الوقت نفسه أهمية كبيرة لقطاعها الزراعي و دعم مزارعيها بهدف توفير القدر الممكن محلياً من تلك الإحتياجات على أن تستورد النقص في الكمية المطلوبة من هذه السلعة .
فإن في بلادنا يبدو الوضع مختلف تماماً بل مريب فحكوماتنا تنصلت من قضية المخزون السلعي الغدائي منذ 2015 م عندما ألغت الدعم على هذه السلعة و غيرها ( الدقيق ، الأرز ، الزيت )في مقابل نقدي قدره 50 دينار شهرياً لكل مواطن لم يدفع منه دينار واحد حتى يومنا هذا و يقدر إجمالي مستحقاته منذ إقراره و حتى نهاية العام الحالي ب 25.0000 مليار دينار .
و من ثمة لم يعد للحكومة أي دور في مساءلة الإشراف و وضع الخطط و الاستراتيجيات المتعلقة بتقدير و تحديد الإحتياجات و الإستيراد و التوزيع و تنظيم فتح الإعتمادات و تحديد حجم هذا المخزون ، فاليوم لا توجد هيئة أو مؤسسة حكومية تعني بهذا الموضوع بعد حل أو تجميد عمل صندوق موازنة الأسعار الذي كان يؤخد عليه الكثير من التحفظات جراء تهم الفساد و سوء الادارة و إستاد المهمة للقطاع الخاص أو التجار عوضاً عنه ، كما إن القطاع الزراعي تضرر كثيراً إن لم نقل أنهار بسبب الإهمال و غياب الدعم الحكومي و الإنقطاع المتكرر للكهرباء فضلاً عن ارتفاع تكلفة النقل و المستلزمات الزراعية و مساهمته في الانتاج المحلي من تلك السلعة تكاد لا تذكر .
و في الختام فالسؤال هو ، إذاكانت حكوماتنا غير قادرة على تحقيق الأمن الغدائي و غير قادرة على تنويع مصادر الدخل و تحقيق التنمية رغم ما يخصص لها من أموال بل و عجزت حتى على توفير الكتاب المدرسي هذا بالطبع ناهيك عن تردي الأمن و الخدمات و الإقتصاد و عدم قدرتها على حماية الحدود و محاربة الفساد .
فالسؤال هو ماذا تبقى لها من مهام و ما هو مبرر وجودها ؟؟؟؟