مـــقالْ / أيمن صالح
أقر مجلس النواب الليبي الذي عقد جلسته “المغلقة” في مدينة طبرق بتاريخ 2021-10-26 بالأغلبية قانون الجريمة الإلكترونية، والذي أثار حفيظة رواد وسائل التواصل الاجتماعي والمتخصصين والقانونيين ومنظمات المجتمع المدني، وحتى المستخدمين العاديين. عبر هاشتاق #قوانين_التقنية_ليبيا، وهاشتاق #قانون_الجرائم_الإلكترونية
فماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما هي الأسس التي تستند عليها مثل هذه القوانين؟
في بداية هذه القراءة أذكر أن هذا المقال يعكس قراءتي الشخصية والمبنية على اطلاعي على القوانين والتشريعات واللوائح الخاصة بالتقنية والتدريبات والمؤتمرات والمراجعات من مختلف الاتجاهات والهيئات.
جاء قانون الجريمة الإلكترونية ضعيفا في تعريفاته فضفاض في مواده، وقاسيا معاقبا في الكثير منها، بعيدا عن التقنية وتفاصيلها، قريبا من الاعلام والتواصل والآداب العامة. بالنظر إلى مسودة مشروع القانون المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي أشيع وسرب من طرف بعض النواب، وهي المسودة التي قيل أن مجلس النواب الليبي صوت عليها، وعلى فرض أنها صحيحة فإنني أرى:
غياب ترقيم واضح لبعض القوانين التي استند إليها القانون، مثل: قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية، بل إن بعض القوانين وجد فيها بعض التعديلات والتي لم تذكر.
اعتماد المسودة على قانون أقر مشروعه يوم 25-10-2021، أي إن هذه الملاحظات جاءت بعد يوم واحد. وهذا القانون هو قانون المعاملات الإلكترونية. https://amin.ly/wp-content/uploads/2021/10/EE.pdf
في حين أني تواصلت مع الجهات ذات العَلاقة، وجدت أن المجلس لم يتواصل معهم، كما لم يُشركهم بوصفهم خبراء أو مستشارين في وضع مواد القانون. وهذا ما يعد ضعف قوي جدا في متن القانون. بالإضافة إلى ذكر اسم كيان الهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات بطريقة مغلوطة عن الاسم الحقيقي والفعلي لكيان يتبع رئاسة الوزراء. وهو الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات NISSA.
أضف إلى ذلك تَجاهل دور النائب العام والمجلس الأعلى للقضاء والمحاكم، والقوانين، والمواثيق، والاتفاقيات. حيث أن قضايا الابتزاز الإلكتروني تعج ساحات القضاء دون ذكر لها صراحة في مواد هذا القانون.
وأنا أرى أن جميع قيم العقوبات المذكورة غير مدروسة بعناية، ويوجد تضارب واضح واختلال في المعايير، وتعارض مع نص قانون معمول به وهو قانون العقوبات، ناهيك أن إمكانية تحوير هذه القوانين والتلاعب بها والعمل الكيدي وارد جدا.
وأرى أن هذا القانون سيعرض الدوائر القضائية وإدارة القانون إلى نزاعات جانبية ستؤثر سلبا على الفهم. ناهيك عن عدم قدرة الجهات ذات الاختصاص من تنفيذ هذا القانون مثل: “الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات والهيئة العامة للمعلومات والهيئة العامة للاتصالات والمعلومات ووزارة العدل ووزارة الداخلية” وذلك إما لضعف الخبرة أو عدم تواجد كادر وظيفي مدرب أو تعارض مع قوانين أخرى أو غياب الصفة الضبطية.
لم المادة الأولى تُعريف بعض المصطلحات بشكل فني وتقني وقانوني جيد، ما يجعلها فضفاضة وقابلة للتأويل وصعبة التنفيذ، مثل: الجريمة الإلكترونية، والاختراق، والقرصنة، والهوية الرقمية، والنقود الإلكترونية.
بعض التعريفات ذات طابع جنائي، مثل: الاعتراض والالتقاط. وغياب بعض المصطلحات الحديثة، مثل: الخصوصية، والتوقيع الرقمي، والابتزاز الإلكتروني، والأدلة الجنائية الرقمية وغيرها.
في حين أن أهداف القانون غير مقننة أو موضحة في المادة الثانية؛ يهدف القانون إلى حماية التعاملات الإلكترونية، دون أن يحمي الدولة أو المواطن أو الوسائط أو الأصول الإلكترونية، وهنا موطن خطإ كبير.
الأهداف التي نصبوا إلى الوصول إليها اتسمت بالطابع التعبيري والإنشائي، بعيدا عن الأسس الصحيحة لصياغة القوانين، مثل حماية الاقتصاد الوطني، لأنها قد تخيف الاقتصادات الأخرى، أو تحقيق العدالة، ولم يذكر الاحتكام في بعض الحالات، كما لم تذكر كلمة تعزيز الثقة.
وتحتاج المسودة إلى بعض الضبط في الأحقية، وملاءمتها مع قانون العقوبات في المادة الثالثة.
أما الأهم وهو مخالفة الإعلان الدستوري في مادة صريحة وهي المادة السابعة من هذا القانون، حيث تخالف هذه المادة الإعلان الدستوري وحرية التعبير والخصوصية، وتفتح الباب أمام مراقبة الناس، أرى إلغاءها، ما لم توضح آليات دقيقة لنوعية وزمن ومدة المراقبة ودواعيها.
ما أثار حفيظة الكثير من المتخصصين هي المادة التاسعة وهي عن وسائل التشفير وامتلاكها. وسائل التشفير ضرورة حتمية لحماية الخصوصية ومنع الاختراق والإضرار والابتزاز، وسن مادة بهذا الشكل يعرض بنية القانون بالكامل لخطر الطعن، وقد تتسبب هذه المادة في الخطر للمواطنين، وقد تضرب مبادئ القانون وقواعده في مقتل، إضافة إلى أن 99% من الإنترنت المتاح هو إنترنت مشفر بطريقة أو بأخرى.
وأشارت مسودة القانون في المادة 11 للدخول غير المشروع غير مفصل بشكل دقيق، والأصل في الشيء الإباحة، ما لم تُذكر الموانع بصورة دقيقة، وليست لكل العمليات أحقية في الحماية.
وغابت الدقة في المادة 14 وانا أرى أنها يجب أن تحذف لعمومها، فهي قد تمنع الولوج إلى الإنترنت بالأساس.
أما في حرية الصحافة والكاريكاتير فجأت المادة 21 صادمة لجميع الصحفيين بمنع تركيب الصور حتى لأغراض تهكمية، وأنا أرى بأنه لا يجب منع هذه العملية بالمطلق لوجود نوع رقمي جديد من الكاريكاتير اسمه الميمز، وهو أشبه بنقد صوري لاذع. لكن نقترح تقنين هذه المادة.
لم تُفسر المادة 22 مضايقة الغير وتركت للعموم، ولم تُعرف ماهية المضايقة إلا في حالات التحرش وعدم ذكر أنواع مضايقة أخرى مثل الازعاج وتسريب المعلومات والمراسلات المزعجة.
ولم يمر علي عبر قراءاتي بوجود قانون في العالم أو مادة تعاقب سرقة الملكية الفكرية بالسجن، وإنما تكون العقوبة بالغرامات فقط. وهذا ما نصت بعكسه المادة 24 أضف إلى ذلك المادة 25 التي تعاقب الأعمال المقلدة بالسجن بل يجب تصحيحها بعقوبة بالغرامة أو الاحتكام إلى القضاء. ومادة 26 الأعمال الرقمية والتي نصت بذات العقوبة والتي يجب عليها غرامة.
في حين تدخل القانون في نصوص وسياسات خاصة بالبطاقات الائتمانية بالمادة 28 والتي أرى التشاور مع مصرف ليبيا المركزي فيما يخص البطاقات المصرفية الإلكترونية، ففيها قصور وقدم بشكل كبير.
أما ما سبب لغط كبير في التفسير وتشكيك في حماية الحريات هو إتهام أي شخص بتعطيل عمل الدولة في المادة 34 ، ولم تبين أنواع التعطيل، كما لم يوضح التخريب والتحريض، وهل هو مباشر أو غير مباشر أو بأي نية.
أما ما أثار ضحك الكثيرين على غرف كلوب هاوس ومجموعات فيسبوك والقيام بأعمال كارتير ساخرة هو المادة 35 والتي فرضت التبليغ عن أي مخالفة للقوانين، حتى لو كانت على سبيل المرور أو الاطلاع وإلا ستكون مشاركا في الجرم أيا كان وبدون تفصيل أو توضح والتي أرى أنها ستسبب هذه المسودة شرخا اجتماعيا وفتنة بين مختلف الشرائح، لعدم وجود آلية فاعلة في ذلك، ولتجاهلها القوانين الجنائية، وفتحها المجال أمام الأعمال الكيدية.
وغابت عن مسودة القانون الذي أقر إضافة الأدلة الرقمية الجنائية وتعريفها، فهي صلب القانون وكيفية التعامل معها وفرق عملها واجراءاتها.
في حين أن المادة 37 لم توضح ماهية الإعلام، كما لم تعرف الفتنة أو الشائعة أو الأخبار المغلوطة.
وأرى الإشارة إلى قانون مكافحة غسل الأموال رقم 2 لعام 2005، لأنه مفصل بطريقة أفضل، مع عدم الخوض فيه.
بالإضافة إلى التريث والانتظار حتى تجتمع لجان خبراء المجتمع المدني التقني، والشركات وبيوت الخبرة والمؤسسات. مثل:
جهاز المباحث الجنائية – إدارة تقنية المعلومات
مكتب النائب العام
وزارة العدل
وزارة الداخلية
الهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية
الهيئة العامة للمعلومات
الهيئة الوطنية لأمن وسلامة والمعلومات
منظمات المجتمع المدني
بيوت ومراكز الخبرة المحلية والعالمية.
ختاما فإن هذا القانون وفق رأيي الشخصي هو قانون معيب وبه الكثير من التعارض في مواده والفوضى في الإقتباس والأهم من هذا مخالفته الصريحة للإعلان الدستوري الليبي في مواده من الخاصة بالحقوق والحريات العامة من المادة السابعة إلى المادة الرابعة عشر.
أمين صالح
رئيس مجلس إدارة
المنظمة الليبية لتقنية المعلومات والاتصالات