محمد أحمد
أحيانا أخجل من نفسي لكتابة بعض سطور عن مواضيع عامة هي في وقتنا الحالي أبعد شيء عن اهتمامات المواطن الليبي في ظل هذه الازمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها شعبنا.
عليه أبدأ حديثي باعتذار مستحق إلى كل ليبي عن خذلننا له، لا تستحق أيها الليبي الكريم العزيز أن نتركك في العراء مجردا من كهرباء تقتات بها ومياه عذبة تروي ظمأك، ولا أن نلقي بك للدغ الثعابين والعقارب، أو ننسحب أمام الفيروسات والبكتريا لتنهش ما تبقى من أمل في الحياة، يتملكني الأسف وأنا أرى الإدارة الليبية تتخبط في حل مسائل يمكن لتلميذ الابتدائي أن يفككها، ويغطيني الحزن وأنا أرى الظلام يسدل اطرافه على بلد الشمس، بلد الطيوب بينما ثرواتها تبدد وتهدر أمام الأعين من أبنائها وغيرهم من بنات آوى.
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق.
إذا ما تكرمتم وقبلتم اعتذاري سوف أحدثكم اليوم عن بعض المؤشرات المالية العالمية التي لها معاني اقتصادية. بالأحرى هي ليست دراسة اكاديمية محكمة بل هو حديث عن مشاهدات ومقارنات تقود إلى بعض المراجعات الوقتية والتي تساعد في تكوين تصور أو سيناريو محتمل لتطور الاحداث اعتمادا على ما حدث تاريخيا.
القراءات الاقتصادية الموزونة تصدر تقريبا كل نصف سنة عن المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ويتخللها تعديل ربع سنوي لتحديث الاتجاهات. أما المؤشرات المالية فهي متداولة بشكل شفاف في الأسواق العالمية بشكل يومي أو شهري ويمكن للمستثمرين أن يأخذوا قرارات مهمة بعد تفسيرهم لمعناها سواء في نفس اتجاه تفكير المؤسسات العالمية أم عكسها.
تعافي أسواق الاسهم
دعوني احدثكم عن حركة أسواق الأسهم العالمية والتي يمكن أن تتتبعوها في الرسوم المرفقة. بالنسبة للسوق الامريكية والتي يعكسها في الرسوم ستاندرد آند بورز 500 يمكننا ملاحظة ما يسمى V shape Recovery Path ، حيث أن المؤشر عاد بسرعة إلى مستواه السابق قبل تأثره بأزمة جائحة كوفيد-19 ما يدل على سرعة النهوض، ويمكننا أن نقارن هذا بالمسار الذي سلكه المؤشر بعد الازمة المالية العالمية وهو ما يسمى U shape Recovery Path. في الازمة الحالية تعافى السوق إلى مستوياته السابقة في غضون 6 أشهر تقريبا بينما احتاج المؤشر ليصل إلى مستوياته السابقة لسبتمبر 2008 إلى 6 سنوات تقريبا. الظاهرة بالطبع تحتاج إلى تحليل خصوصا أن معظم التوقعات كانت تشير إلى العكس. وبالرغم من الكثير من التحليلات التي تشير إلى أسباب متعددة بينها التشكيك في قدرة السوق على الحفاظ على مكاسبها واحتمال تعرضها لنكسة جديدة، ألا أنه في رأيي يجب التركيز على عوامل محددة “حبينا أم كرهنا” وهي قوة وصلابة الاقتصاد الأمريكي القائم على الحداثة والمرونة والرقمنة. وبينما أجهد الاقتصاد بارتفاع ارقام البطالة فيه إلى معدلات غير مسبوقة لفترة طويلة ألا أن كفاءة الاعمال لم تهتز نتيجة إحلال الآلة محل القوة البشرية ومحل تباعد المسافات لتقلل إلى أقل حد خسائر الشركات والمؤسسات الاقتصادية ولتدفع بحركة الأسهم إلى التصاعد من جديد.
وبينما كانت الأسواق الامريكية الأكثر خسارة في بداية الازمة مقارنة بالسوق الصيني والسوق الأوربي ألا أنها كانت أكثر سرعة في التعافي، كما أن السوق الاوربية متمثلة في السوق الألماني أثبتت تنافسية كبيرة واستطاعت أن تتجاوز سرعة السوق الصيني في الثلاث أشهر الأخيرة متزامنا مع الفك التدريجي للإجراءات الاحترازية في ألمانيا.
وضع السندات
لا شك أن سرعة التعافي من هذه الازمة ستعني الكثير على مستوى التنافسية العالمية ويبدو أن الولايات المتحدة في المركز الأول في السباق ما يدعمه تماسك سوق السندات بها. فعلى الرغم من قوة الاقتصاد الألماني ألا أنه يبدو أن منطقة اليورو ستشهد مشاكل جسيمة في التمويل. فلا زالت معدلات الفائدة على سندات منطقة اليورو في أقل مستوياتها زمنيا ومقارنة بالسندات الدولية الأخرى. وقد أثر ضعف سندات منطقة يورو على أداء السندات البريطانية متوسطة الاجل حيث شهد المنحنى هبوطا للمعدل السلبي عند استحقاقا 5 سنوات، مقارنة بالأسبوع الماضي.
سعر الذهب والفضة
كما هو معروف فأن المعادن وبصفة خاصة الذهب والفضة هما أهم الملاذات الآمنة للودائع الاستثمارية وتتجه اسعارهما إلى الارتفاع بعد حدوث الازمات العالمية بما يصاحبها من ركود. وفعلا فأن استجابة أسعار هذه المعادن لمم تختلف عن نمط سلوكها السابق انخفاض شديد في بداية الازمة ثم تسارع كبير في أسعارها. ولكن مرة أخرى فأن تجمد الارتفاع لهما في الفترة الأخيرة بعد وضوح تعافي أسعار الأسهم وكذلك أسعار النفط والغاز وضع سقفا أمام ارتفاعهم السريع. هناك طبعا خلاف في السوق هل هذا التوقف هو ظاهرة مستمرة وهل سيكون هناك تراجعا لخط الارتفاع العادي أم أنه ظاهرة مؤقتة تختبر مدى صلابة العودة للتوسع الاقتصادي. الكثير من التوقعات تشير إلى أن هذا التوقف سيستمر وقد تصاب الأسعار بهبوط شديد نتيجة سحب الأموال باتجاه الاستثمارات من جديد، وهو رأي أميل له شخصيا بنسبة كبيرة.
أسعار المواد الغذائية
نشرت وكالة فاو التابعة للأمم المتحدة مؤشر أسعار المواد الغذائية في شهر 7 من 2020. عموما فأن أسعار المواد الغذائية لا زالت منخفضة مقارنة بالثلاث سنوات الأخيرة على الرغم من اتجاهها للارتفاع في شهر يوليو. الارتفاع يبدو أن معظمه آتي من ارتفاع أسعار الزيوت النباتية وقليلا من منتجات الحليب. أما أسعار اللحوم فقد انخفضت بقوة في نفس الفترة.
في سطر أخير فأن المؤشرات اليوم هي مؤشرات إيجابية وتشير إلى أن الإنسانية تتقدم بصعوبة ولكن بكفاءة أكبر ضد الاثار التدميرية التي عصفت بها من جراء اصابتها بوكفيد-19.
ندعو الله سبحانه وتعالى لبلدنا أن ينزاح عنها هذا الظلام ويحمي أهلنا من هذا الوباء وان يستنهض همم رجالها