مَـــقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
فيلم “المذنبون” الذي استمد من رواية عميل مكتب الممنوعات “إليوت نس” يحكي قصة يفترض أنها تكون واقعية عن مواجهة فساد “آل كابوني” زعيم المافيا الرهيب في شيكاغو أثناء ممارسته تجارة الكحول التي تم تجريمها فترة وجيزة في الولايات المتحدة بداية القرن العشرين.
الفيلم قصة شيقة مثلها ببراعة كيفن كونستر وشين كونري حيث جسدا شخصية العميل الفيدرالي “إليوت نس” والشرطي ذو الأصول الإيرلندية “جيمي مالوني” اللذان تعاونا للإيقاع بـ “آل كابوني” الذي جسده “روبيرتو دي نيرو”. القصة ركزت على الأساليب البوليسية في التتبع والتصنت والمواجهة العنيفة للتشويق والإثارة مما أدى في النهاية إلى الإيقاع بماسك دفاتر “آل كابوني” والذي عن طريقه تم أثبات تهرب زعيم المافيا من الضرائب.
وبالرغم من أن العميل الفيدرالي لم يخطط للإيقاع بكابوني بهذه الطريقة إلا أنه في احداث الفيلم وهو يكون فريقه “النظيف من الفساد” من أفراد الشرطة الذين لا زالوا تحت التدريب يضم محاسبا ويزوده ببندقية للاشتراك معهم في المواجهة. هذا المحاسب يكتشف بالصدفة أثناء أحد الغارات على قوافل التهريب من كندا دفتر يوثق مدخولات آل كابوني ومن هنا تتجه المواجهة إلى محاولة إثبات تهمة التهرب الضريبي على كابوني والتخلي عن أسلوب التتبع.
وبالرغم من كل هذا التشويق البوليسي سواء في رواية “نس” أو في الفيلم الذي جمل نفس عنوانها ألا أنه لم يكن الحقيقة فقد أشارت صحيفتي جارديان واندبندت الانجليزيتان نقدا صريحا للقصة وشككت في واقعيتها وأثارتا جدلية تقول إن الفساد لا يمكن محاربته بالأعمال البوليسية، بل بالمحاسبة والمراجعة الدقيقة وهو ما تم فعلا في قضية آل كابوني، حيث كان محاسبي الخزينة الامريكية وليس ضباط البوليس الأمريكي هم من قام بالإيقاع بمافيا كابوني.
اليوم ينتشر “الكابونيون” في كل الانحاء وخصوصا في الإدارات الحكومية ويتجه الرأي العام في الغالب بأن أفضل سبل مواجهة هؤلاء الفاسدون هو العمل البوليسي. ربما قد يكون العمل البوليسي مفيدا في محاصرة الفرص التي يستغلها الكابونيون في الفساد ألا أن الواقع يثبت أن العمل البوليسي فاشل تماما في مواجهة الفساد المستشري، ربما بسبب اختراقات المفسدين لصفوف قوات الأمن من ناحية، وعدم تطور الفكر البوليسي ليواكب في المواجهة الأساليب المتطورة للفساد من ناحية أخرى.
السؤال هنا هو مدى كفاءة المحاسبين لخوضهم مواجهة مثل هذه. لا يبدو أن المحاسبين تنقصهم الكفاءة في اكتشاف مناطق الخلل في المعاملات المالية في الدولة بالرغم من التأخر الواضح في إعلان نتائجهم، ولكن المشكلة تتمثل في عدم وجود تنسيق فعال مع أجهزة انفاذ القانون. مشكلة الفساد أنه لا يكتفي بما حقق، بل يعود في الأغلب وبنفس الرؤوس مما يسهل عملية الإيقاع به لتكرر الجولات التي يمارسها.
ومهما كان الأسلوب في المواجهة سيسجل التاريخ أن دولة ما سقطت لأنها أبناؤها لم يستطيعوا أن ينتشلوها من رذيلة الفساد.