مَـــقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
تمر الأسعار وخصوصا أسعار المواد الأولية بظاهرة الدورات الاقتصادية حيث تدور الأسعار حول محور يمثل المستوى التاريخي المستقر للسعر وفقا للمرحلة التي تمر بها الدورة النقدية أو الطقس أو العوامل السياسية. على سبيل المثال يمكن القول إننا خلال الخمس سنوات الأخيرة كنا نمر في دورة اقتصادية نمطية بالرغم من استفحال جائحة كوفيد-19 استقرت فيها أسعار المواد الأولية حول محاورها التاريخية فالنفط بقا بين 30-70 دولار/للبرميل والغاز الطبيعي تراوح بين 4-10 دولار/مليون وحدة بريطانية، الذهب كذلك لم يخرج عن نطاق الدورة الاقتصادية الاعتيادية.تاريخيا أصيب الاقتصاد بظاهرة استثنائية وهي ما تسمى بظاهرة الدورات الاقتصادية العملاقة والتي تخرج فيها الأسعار بقوة عن الحدود التي سلكتها في الدورات السابقة. مثلا حدث هذا بعد انحسار أزمة الكساد العالمية التي حدثت في الثلاثينات من القرن الماضي، كذلك بعد تطبيق مشروع مارشال في أوربا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وأخيرا بعد الصعود الصيني في بداية الألفية الثانية والتي رفعت أسعار المواد الأولية إلى مستويات غير مسبوقة وصل فيها سعر النفط إلى 140 دولار/للبرميل.
مع نهاية الازمة المالية العالمية في 2009 تراجعت الأسعار لتستقر حول مستويات محورية جديدة لتحقق توازن اقتصادي عالمي سمح إلى حد كبير بنمو اقتصادي متواصل عززه نظام تجاري دولي منفتح إلى حد كبير يسمح فيه بانتقال التكنولوجيا ورؤوس الأموال. كان من الواضح أن التنافس الأمريكي الصيني بدأ يصل إلى مراحل حرجة وظهر ذلك واضحا في سياسات ترامب التجارية ضد الصين. أظن أن الأمريكيين الآن مقتنعون تماما أن الصين قد قفزت الحاجز باتجاه أن تكون أقوى اقتصاد في العالم في سنوات معدودة إذا ما أستمر الحال على ما هو عليه.
انفجار الأسعار بداية السنة خصوصا سعر الغاز الطبيعي مع ظهور مؤشرات قوية على خروج التضخم عن النطاق المستهدف في بعض المناطق خصوصا
في الولايات المتحدة جعل الكثير من المحللين الاقتصاديين يثيرون قضية أن العالم قادم على دورة اقتصادية عملاقة. ويمكن تعريف الدورة العملاقة بانها موجة مستدامة من نمو الطلب القوي بشكل غير طبيعي والذي يجعل المنتجون يكافحون لمواكبته مما يؤدي إلى اندلاع ارتفاع في الأسعار يمكن أن يستمر لسنوات أو في بعض الحالات عقدًا أو أكثر.
هناك عامل مهم في هذه الدورة إذا ما تحققت وهي أن الدليل لها لن يكون حركة أسعار النفط، بل أسعار الغاز الطبيعي. وهذا يثير شكوكا حول طبيعة هذه الدورة وإذا ما كان تم التخطيط لها مسبقا. فالولايات المتحدة تتميز تنافسيا بأسعار غاز منخفضة مقارنة بالعالم الخارجي. بغض النظر عن هذه الفرضية فأن المنافسة العالمية على الموارد وعلى رأسها مصادر الطاقة ستكون محور الشد والجذب في الاقتصاد وستكون الدول الفاقدة لهذه الموارد عرضة لمخاطر اقتصادية شديدة، خصوصا إذا ما خرج غول التضخم من قمقمه.