د . محمد بوسنينة
” تتعدد المواقف والرؤى حول هوية الاقتصاد والمعايير التي ينبغي الاستناد اليها في تحديد الهوية . وبصفة عامة يحتاج تحديد الهوية الى نمط ظاهر وثابت قابل للرصد حتى يمكن للباحث تصنيف الاقتصاد ووضعه ضمن مجموعة اقتصادات تشترك في سمات وخصائص محددة تتعلق بطبيعة وحجم الموارد المتاحة لديها وأسلوب ونمط تخصيص هذه الموارد وإدارتها والمستفيد النهاءي من العائد او المردود المتأتي من استغلال هذه الموارد والتى تفضي الى تحديد طبيعة النظام الاقتصادي السائد ومن ثم تحديد النشاط الاقتصادى الذى يعرف من خلاله الاقتصاد بين الاقتصادات العاملة والمنافسة . وفي هذا السياق يرد ذكر الاعتبارات التالية : – هل هوية الاقتصاد راسمالية ام اشتراكية ام ان الاقتصاد مختلط ؟ – هل يعتبر الاقتصاد اقتصاد سوق اجتماعي تضطلع فيه الدولة بالرعاية والإعانة لرعاياها ، بصرف النظر عن حجم ونوعية الموارد الاقتصادية المتاحة ؟ – هل يعتبر الاقتصاد زراعي ام صناعي ومن ثم تعتبر الدولة صناعية او زراعية ، ام ان الاقتصاد خدمي ، ويعتمد التصنيف في هذه الحالة على القطاع الذي يقود التنمية ؟ – هل هوية الاقتصاد تقوم على ” العولمة والحداثة ، كما هو الحال في إمارة دبي مثلا ، ام ان الهوية تحدد في سياقها الاجتماعي والتاريخي كما هو الحال في إمارة ابوظبي” ؟ – هل تصنف هوية الاقتصاد ضمن ما يعرف “بالطريق التالت الذي يعتمد التوازن بين الرأسمالية بكامل أدواتها ، وبين الرعاية الاجتماعية كما هو الحال في الدول الاسكندنافية ( السويد والنرويج والدنمارك ) باستثناء النرويج التي يعتبر اقتصادها ريعي ، غير ان قطاع الاعمال بها يقوم بمهام الانتاج والتوزيع والدعم والإعانات في ظل حرية اقتصادية كاملة فى هذا المجال “؟ وفي ذات السياق يثار موضوع اعادة بناء الهوية او تحديثها . ومن هذه الزاوية لا يمكن غض النظر عن الواقع المحلي والعالمي . اذ لا يمكن الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية التقليدية المرتبطة بمعدلات النمو الاقتصادي وهيكل الناتج المحلي الاجمالي ومتوسط دخل الفرد فى الحكم على هوية الاقتصاد ، بل يجب الاخد في الاعتبار مدى التوافق بين الواقع المعاش وبين ما تنص عليه الدساتير والقوانين واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي المعتمدة ، ان وجدت ، اذ كتيرا ما يعزى غياب الهوية الاقتصادية ، او صعوبة تحديدها، الى الانفصام بين الواقع (لمؤشراته المختلفة ) وما تنص عليه وتقضي به الدساتير والقوانين السارية . وفي الحالة الليبية ، وبمراعاة الجدل القائم حول الهوية ، وعلى النحو الذي تم استعراضه في مقدمة هذا الملخص ، هل يكفي الاعتماد على الوصف التقليدي لليبيا من حيت طبيعة وحجم الموارد الاقتصادية المتاحة ، خصائص الموقع ، حجم الاقتصاد ، وعدد السكان ، لتحديد هوية الاقتصاد الليبي ؟ ام ان للتغيرات الهيكلية التي شهدها الاقتصاد الليبي والمنعطفات التاريخية التى مرت بها ليبيا دورا في تحديد هوية الاقتصاد الليبي في ظل عدم التوافق بين التطور الذي شهدته مؤشرات التنمية الاقتصادية ، بصفة عامة ، وأساسات الاقتصاد الكلي ، من جهة ، وحالة عدم الرضى والتراجع فى مستوى المعيشة وتقلص الطبقة الوسطى فى المجتمع ، من جهة اخرى ؟ كما يثير موضوع تحديد هوية الاقتصاد اشكالية مهمة تتعلق بما اذا كنا بصدد تحديد هوية الاقتصاد الليبي وفقا للواقع الحالي للاقتصاد الذى وجدناه واقعا مشوها غير واضح المعالم ، وفى غياب لدور الموءسسات التى باتت منقسمة على نفسها وصارت عاجزة عن ادارة الازمة بكفاءة ؟ ، ام اننا بصدد تحديد ما ينبغي ان تكون عليه هوية الاقتصاد الليبي فيما لو احسنت ادارة موارده ؟، وهي الإشكالية التى يهتم بها علم الاقتصاد فى سياق عرض الموضوعات والتعبير عنها ، حيت يتم التمييز بين طريقتين للعرض ، وهما : العرض او البيان الموضوعي ( Statement Positive ( والعرض او البيان المعياري ( Statement Normative. ( فالتعبير الموضوعي عن هوية الاقتصاد الليبي يتناول الواقع وحده ، وهو الذي يمكن الثثبت منه بالدليل الذى يؤيده او يفنده ، ومن تم الإنهاء الى ان هذا التوصيف او التحديد للهوية صحيح او غير صحيح . اما الأسلوب المعياري فيهتم او يتضمن غالبا ما يجب ان يكون عليه الحال ، او ما ينبغي ان تكون عليه هوية الاقتصاد الليبي . والصيغ المعيارية تعكس الى حد كبير المواقف الانسانية او الأخلاقية تجاه قصية معينة . وعلى هذا الاساس فان ما يتم التوصل اليه بالنسبة لهوية الاقتصاد الليبي يخضع الى حد كبير لتقديرنا للأهمية النسبية تلك المتغيرات المحددة للهوية . بمعنى ُسلوب اخر ، يعتمد تحديد هوية الاقتصاد الليبي على روءيتنا لما ينبغي ان يكون عليه ا استغلال الموارد الاقتصادية وكيفية توظيفها والفرص الممكنة امام الاقتصاد الليبي فيما لو احسنت ادارته مقارنة بأساليب وأنماط ادارته الحالية . نستكمل الموضوع في عدد أخر