حتى لا يضطر المصرف المركزي لاجراء تخفيض اخر واشدّ لسعر صرف الدينار الليبي

مَقـــالْ / د. محمد ابوسنينة 

من حيت المبدأ تعتبر سياسة سعر الصرف المدار ( managed float ) غير قابلة للاستدامة ، وستواجه العديد من الضغوطات ، في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية . وما يعزز هذا الرأي تضخم النفقات العامة وتناميها من سنة الى اخرى ، والاعتماد على الايرادات الاضافية المتاتية من تعديل سعر الصرف في تمويل نفقات الميزانية العامة ، بالمخالفة لأبسط مبادئ المالية العامة التي ينبغي ان تكون معاكسة للاتجاهات الدورية . والشاهد على ذلك في حالة الاقتصاد الليبي ، استخدام عوائد الرسوم التي فرضت على مبيعات النقد الاجنبي بنسبة 183% والتي خفضت الى 163% في عام 2018 لتمويل الكثير من النفقات العامة والاعتماد عليها في استحداث اوجه صرف جديدة ( بند الطواري) .

وكان لجوء الحكومة الى اقتراح وتنفيذ ميزانية عامة خلال عام 2021 تتجاوز قيمتها 95 مليار دينار مدفوعاً بالايرادات المتاتية من تخفيض سعر صرف الدينار الليبي في بداية عام 2021 بنسبة 71٪؜ تقريباً عندما اصبح سعر الصرف عند مستوى دولار واحد يساوي 4.48 دينار ليبي . وهذا السعر الجديد لصرف الدينار الليبي ، في راينا ، هو سعر غير توازني وغير عادل ومبالغ فيه ( overvalued )، وغير قابل للاستدامة ، وهو في نفس الوقت اجراء غير مكتمل ، اذ لم يحدد القرار الصادر عن مجلس ادارة مصرف ليبيا المركزي آلية لتحديد سعر لشراء النقد الاجنبي لدى المؤسسات المصرفية المسموح لها بالتعامل في النقد الاجنبي ، بيعاً وشراءً ، ولم يتم على اساسه ، كما ينبغي ، اعادة تقييم اصول وخصوم القطاع المصرفي الليبي المقومة بالنقد الاجنبي ، بالرغم من ان الاجراء كان يشكل تعديلا في سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي ، ولم يحدد آلية لكيفية تقييم مبالغ النقد الاجنبي المستحقة قبل تاريخ تخفيض سعر الصرف ، والتي تحققت في تاريخ لاحق له .

واذا كانت النية والقصد من ذلك التخفيض هو القيام باجراء لاحق لمراجعة السعر ، ليس بعيد عن تاريخ التخفيض الذي تم ، وتثبيته عند مستوى السعر التوازني المطلوب ، فقد تاخر هذا الاجراء كثيراً لدرجة انه لم يعد في متناول اليد ، في ظل اقرار ميزانيات عامة فلكية والزيادات المتتالية في مرتبات بعض القطاعات والالتزامات التي رتبتها الحكومة على نفسها والتي تمتد لسنوات لاحقة بعد السنة المالية 2021 ، بالاضافة الى زيادة الطلب على النقد الاجنبي في الاونة الاخيرة لمختلف الاغراض والاسباب . وان المحافظة على هذا السعر ، او عدم القدرة على مراجعته ، يحمل في طياته مخاطر الاضطرار الى اجراء تخفيض اخر مفاجئ في سعر صرف الدينار الليبي ، في ظل سياسة الانفاق العام التوسعية .

وبالرجوع الى برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي سبق الاعلان عنه وتبنّاه مصرف ليبيا المركزي عام 2017 – 2018 والذى شارك في اعداده نخبة من الخبراء والاقتصاديين ( لجنة العشرين ) لانجد في هذا البرنامج أساسًا للاجراءات التي اتبعت في معالجة سعر صرف الدينار الليبي على النحو الذي تم خلال السنوات الثلاث الاخيرة ، والتي كانت الحكومة طرفا رئيسا فيها . برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي كان قد اوصى بالتوجه نحو السعر التوازني لصرف الدينار الليبي على خطوتين متتاليتين ، خلال فترة زمنية محددة ، بحيث يكون السعر الذي يتحدد في الخطوة الاولى قريب من سعر الصرف التوازني الذي حدده البرنامج ، والمبني على دراسة معمقة لمختلف المتغيرات الاقتصادية ، بهدف تهيئة البيئة واعطاء اشارة للسوق بتوجه المصرف المركزي ، وفي الخطوة الثانية يتم تحديد سعر الصرف التوازني للدينار الليبي ( بيعا وشراءً ) الذي يحقق التوازن الداخلي والتوازن الخارجي ، وترفع معه كافة القيود المفروضة على التعامل في النقد الاجنبي ، ويكون هذا السعر التوازني مصحوبا بسياسات اقتصادية ( مالية وتجارية ) داعمة تضمن استقراره ، بما في ذلك مراجعة سياسة دعم المحروقات ، وعلى رأس هذه السياسات ضبط الانفاق العام وزيادة كفاءته ، والبحث عن موارد اضافية لتمويل الميزانية العامة من خلال اشراك القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي .

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

القائمة