مَـقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
أصدر مصرف ليبيا المركزي بيانه عن الايراد والانفاق خلال الفترة يناير-ابريل 2022، في تجدد فيما يبدو لبياناته الشهرية وبحلة جديدة كما وصفه. لا بد في البداية أن نشكر الفريق الذي أعد الاحصائيات لهذا البيان على هذا العمل المتقن وهو ليس بغريب عن القدرات الوطنية في المصرف والتي تعد الكثير من التقارير الاقتصادية والمالية القيمة بما فيها النشرة الاقتصادية الربع سنوية المعروفة.
قبل أن أورد الملاحظات على هذا البيان أود أن أتقدم بطلب للأخوة في مصرف ليبيا المركزي بإرفاق التقارير ملف أكسل يحوي الجداول التي يتم نشرها سواء بالتقارير أو البيانات
لمساعدة البحاث في هذا المجال.
كما يجب ان اشدد ان هذه الملاحظات تاتي في اطار النقد البناء ومحاولة المساهمة في التطوير المؤسسي
وبالعودة إلى بيان مصرف ليبيا المركزي فأني هنا بداية ألخص بعض من الانتقادات التي تقدم بها الكثير من الاقتصاديين والماليين والقانونيين الليبيين على هذا البيان، ومن ثم أود أن أناقش بعض الأرقام التي أتت به. من ناحية اقتصادية يرى الكثير أن البيان ينقصه أهم شيء وهو تقرير مباشر عن السياسات النقدية خلال المدة ويأتي في مقدمتها تطورات سعر صرف الدينار الليبي ومحاربة التضخم، وهو حقيقة ما يهم أكثر المواطنين من المصرف المركزي. من ناحية مالية فأن البيان يتداخل مع سلطات وزارة المالية التي يجب أن يأتي منها حجم الايراد وحجم الانفاق، حيث إن المصرف لا يملك من السلطات الاجبارية وفقا للقانون لتقوم الأجهزة التنفيذية بإعلامه ذلك باستثناء اطلاعه على حركة حسابات هذه السلطات، فعلى سبيل المثال لا يستطيع المصرف المركزي أن يقرر حجم العوائد النفطية ألا باطلاعه على حركة حسابات المؤسسة الوطنية للنفط في المصرف الخارجي التابع له وهو أمر يشوبه العديد من الشكوك والحسابات والتسويات ولا يعكس أبدا الصورة الحقيقية. من يقرر حجم العوائد النفطية يجب أن يكون على بينة من العقود والاسعار النفطية والتسويات النهائية أما الأرقام التي يصدرها المركزي فلا علاقة لها بالحسابات النهائية للعوائد. أما من ناحية قانونية فأن هذا الإفصاح عن حسابات الحكومة بهذا الشكل يتعارض مع مبدأ سرية الحسابات ولا يعطي سمعة جيدة عن الحركة المصرفية في ليبيا ولا يقوم بها أي مصرف مركزي عبر العالم. قد يكون مفهوما أن يعترض المصرف المركزي على بيان إنفاق من وزارة المالية لأنه لا يطابق حركة الحسابات، ولكن أن يقوم المصرف المركزي بإفشاء سرية بيانات عملاؤه، حتى لو كانت الحكومة نفسها فأن هذا سيجر تعديل سلوكي من المودعين باستعمال قنوات بديلة في المستقبل وهذا أمر في منتهى الخطورة على الاستقرار المالي، وهناك اشارات مبدئية نراها تتجه إلى ذلك.
بالنسبة للملاحظات على الأرقام يمكن ايجازها فيما يلي:
أولا: يشير المصرف المركزي في جدول الإيرادات أن مجموع الإيرادات النفطية هو 52 مليار دينار (ايراد مبيعات نفطية “يفترض أنها للفترة يناير-أبريل 2022” بمعدل 37.4 مليار دينار + إيراد من إتاوات نفطية 3.2 مليار دينار + إيراد من إتاوات نفطية من سنوات سابقة 11.4 مليار دينار). هنا المصرف لا يشير إلى سعر الصرف الذي تم به تغيير الدولار إلى دينار، وبينما لا يوجد ما يشير متى تم هذا التغيير ألا أن تجربة بسيطة تشير إلى أن هذا يعادل تقريبا 11.3 مليار دولار بسعر صرف 4.6 دينار/دولار بمتوسط سعر الصرف للفترة يناير-أبريل 2022 أو 11.11 مليار دينار بمتوسط سعر صرف شهر أبريل 2022. أما إذا قسمنا الإيرادات على أربع أقسام متساوية أي 13 مليار شهريا وأخذنا متوسط سعر الصرف لكل شهر (4.56، 4.56، 4.62، 4.68 للشهور يناير-فبراير-مارس-ابريل على التوالي) فأن الدخل سيكون 11.28 مليار دولار، وفي الصفحة السادسة من البيان يشير أن الإيرادات من النقد الأجنبي هي 11.2 مليار دولار.
ثانيا: لا يوجد دليل واضح كيف تم حساب العوائد النفطية، ولكن إذا ما أخذنا مستويات الإنتاج النفطية لليبيا من تقرير أوبك الشهري للفترة يناير-أبريل 2022 وأنقصنا منها 300 ألف برميل يوميا قيمة الاستهلاك المحلي وحصة الشركاء فأن الدخل من المبيعات النفطية + الإتاوات النفطية وفقا لمتوسط سعر تصدير الخامات الليبية يمكن أن يكون 10.4 مليار دولار أمريكي، أي تقريبا 47.4 مليار دينار ليبي، هذا بالمقارنة مع 40.6 مليار دينار ليبي مذكورة في البيان (37.4+3.2). مرة أخرى يجب أن نكون حذرين هنا وعلى المصرف أن يبين إذا ما كانت هذه الأرقام هي المبالغ المحصلة (وهي شهر بعد البيع) أم مبالغ المبيعات (وهي تعكس نفس شهر البيع). وحتى لو أخذنا أن المبالغ المحصلة هي شهر بعد البيع (أي لمبيعات ديسمبر 2021-مارس 2022) فوفقا لنفس التقييم فأن الدخل يكون 46.4 مليار دينار وهو أقل من المبلغ المذكور في البيان (40.6).
ثالثا: يشير المصرف في قسم الملاحظات إن التطوير في البيان الشهري لمصرف ليبيا المركزي يأتي استجابة للمطالب المحلية والدولية، حقيقة نود أن يكون المصرف أكثر صراحة ويشير إلى أهم الجهات التي طالبته بكتابة مثل هذا البيان ليكون تعبيرا عن الإفصاح والشفافية وخصوصا الجهات الدولية.
رابعا: جدول استخدامات النقد الأجنبي وهو مذكور بالدولار، ألا أن مبدأ الإفصاح والشفافية يحتم أن يتم تحديد القيمة المناظرة للدينار أمام كل استخدام.
خامسا: هناك غموض في موضوع الانفاق على الدعم، فبينما يشير الجدول الأول أن هناك 8.1 مليار دينار تم صرفها على الدعم أي 1.8 مليار دولار تقريبا بمعدل 450 مليون دولار شهريا، ولكن البيان يصرح بأن توريد المحروقات يتم دفعه مباشرة من المبيعات النفطية من قبل المؤسسة الوطنية للنفط. وفي جدول الانفاق للقطاعات والجهات التابعة لها فأن هناك مبلغ 3.3 مليار دينار تحت البند الرابع لوزارة النفط وهو بند الدعم، ولا يوجد أي مخصصات للمؤسسة الوطنية للنفط. السؤال هنا هل تم دفع هذا الدعم وتم تحميله على الوزارة بدون أن يدخل لحسابات المصرف المركزي فالافتراض هنا أن ما يتم ذكره في جداول المصرف هي مبالغ تم انفاقها من خزينة المصرف بناء على تفويضات مالية وهو ما يتعارض مع ملاحظة المصرف بخصوص دفع المؤسسة للدعم خارجيا.