مَــقالْ / نورالدين رمضان حبارات
تنتج ليبيا و في المعتاد ما يقارب من 1.200 مليون برميل نفط يومياً و بإيرادات قدرت في أحسن أحوالها عند 22 إلى 24 مليار دولار خلال سنوات 2018 و 2019 و 2021 م التي تدفق فيها انتاج النفط بشكل إعتيادي و طبيعي دون توقف عند أسعار 60 إلى 85 دولار للبرميل في المتوسط .
و في المقابل خسرت ليبيا إيرادات نفطية خلال الفترة من منتصف 2013 م حتى 2017 بسبب توقف و تعطل الإنتاج رغم إن العام الأخير ( 2017 ) شهد إستئناف تدفق لإنتاج و تصدير النفط بنصف طاقته الإنتاجية أي عند 700 لف برميل يومياً و بإيرادات لم تتجاوز قيمتها 15.000 مليار دولار في ذلك العام .
و بلغت الخسائر النفطية ذروتها خلال العام 2020 م بسبب تكرر الإقفالات و تفشي و إنتشار وباء كورونا إلذي ألقى بظلاله على الإقتصاد العالمي بعد إنزلاقه في ركود هو الأسواء منذ الأزمة المالية العالمية Global Financial Crisis.
و صراحةً لا يمكن لنا تحديد قيمة الخسائر في الإيرادات النفطية جراء توقف الإنتاج و التصدير خلال تلك السنوات و تراجعه عن معدلاته الطبيعية ، و مع ذلك فإنه يمكن لنا تقدير حجم تلك الخسائر بما لا يقل عن 70 إلى 90 مليار دولار في ظل عدم توفر بيانات رسمية و تفاصيل بشأنه .
كما إن ليبيا خسرت قرابة %50 من إحتياطي النقد الأجنبي خلال الفترة من 2013 حتى 2021 م ، حيث بلغ العجز التراكمي في ميزان المدفوعات قرابة 52 مليار دولار على اقل تقدير .
و حجم الإحتياطي الأجنبي اليوم يقارب من 46 مليار دولار فقط بعد تغطية وعاء العملة و ذلك وفق لبيانات رسمية حديثة عن المركزي و هو ما يغطي واردات البلاد لمدة 28 شهر فقط .
و ليس هذا فقط بل ليبيا فشلت أيضاً في إدارة العوائد النفطية التي تحصلت عليها خلال العشر السنوات الماضية و التي تقدر وفق لبيانات رسمية عن المركزي ما قيمته 207.000 مليار دولار و ذلك بسبب الفساد و سوء الإدارة و إتباع حكوماتها لسياسات عشوائية توسعية في الإنفاق تصل إلى حد الإسراف و التبذير للأموال مع إهمال واضح للإيرادات السيادية ما أدى في نهاية المطاف إلى تفاقم الدين العام و العجوزات في الميزانية و ميزان المدفوعات و إستنفاذ الإحتياطيات أو الأموال المجنبة إلى جانب انخفاض قيمة الدينار و تأكل القوة الشرائية لدخول و مرتبات مواطينها جراء إرتفاع معدلات التضخم ناهيك عن أزمات السيولة و تدهور الخدمات و إنقطاع الكهرباء و إنعدام التنمية و إلى ما ذلك من أزمات .
و لكن و مع كل ذلك فإن ليبيا آتيحت أمامها فرصة ذهبية لتعويض ما خسرته و النهوض بإقتصادها المتعثر و ذلك بعد الطفرة النفطية التي تشهدها حالياً أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ مطلع يناير الماضي بسبب التوترات و التطورات الجيوسياسية جراء الحرب الروسية الأوكرانية و العقوبات الإقتصادية الغربية الأمريكية المكثفة على روسيا من جهة و تعافي الآقتصاد العالمي بسبب إنحسار وباء كورونا من جهة أخرى .
فأسعار النفط اليوم تجاوزت و أستقرت منذ أسبوع عند حاجز 120 دولار للبرميل و ذلك بعد الحظر التدريجي الذي فرضه الإتحاد الأوربي على النفط الروسي .
و حيث إن متوسط أسعار النفط خلال العام الماضي 2021 م قدرت ب 60 إلى 65 دولار في المتوسط بعوائد قاربت من 24 مليار دولار و بمعدلات إنتاج تتراوح ما بين 900 الف برميل إلى 1.200 برميل يوميا .
فإنه يمكن القول إن أسعار النفط حالياً تزيد بما نسبته %100 عن مستوياتها في العام الماضي .
و هذا يعني إن ليبيًا فعلاً أمام فرصة حقيقية لا تعوض لتحقيق إيرادات نفطية عند حدها الأدنى بما لا تقل قيمتها عن 47.500 مليار دولار عند سعر 110 دولار فقط للبرميل و قد تناهز عتبة 55 مليار دولار في حال ما أستقرت الأسعار فوق حاجز 120 دولار و هذا من المحتمل جداً .
فالحرب الروسية الأوكرانية يتوقع أن يطول أمدها و العقوبات الإقتصادية المكتفة على روسيا المنتج المهم للطاقة من الصعب رفعها بسهولة .
و بالتأكيد إيرادات نفطية بحجم 47 إلى 51 مليار دولار كافية لتعويض ليبيا لجزء كبير من خسائرها عن السنوات الماضية و تتيح أمامها فرصة حقيقية للنهوض بإقتصادها المتعثر و المشوه عبر دعم احتياطياتها المالية و النقدية و تقوية عملتها المحلية و تنويع مصادر دخلها و تحقيق تنمية حقيقية يكون فيها للقطاع الخاص المحلي و الأجنبي و النظام المصرفي دوراً محوري فيها و تضع حد لمسلسل تدهور الخدمات و تفاقم المعاناة .
دون إغفالنا لإهمية الإلتزام بمعايير الإفصاح و الشفافية و محاربة الفساد الذي يقف اليوم حجر عثرة أمام طموح و تطلعات الليبيين .
لكن و للأسف تعنت السياسيين و تمسكهم بمواقفهم المتشددة دون تقديمهم لأي تنازلات من أجل مصلحة ليبيا و مصلحة مواطينها أهدر تلك الفرصة الذهبية بعد توقف إنتاج و تصدير النفط المحرك الرئيس للإقتصاد و شريانه الوحيد .
و في الختام ما يجب أن يتم هو الإستئناف الفوري لإنتاج و تصدير النفط و بما يضمن الإستفادة من الطفرة النفطية مع تفهمنا لتجميد إيراداته ، فالفرصة تأتي مرة لا مرتين و لإننا ندرك جميعاً إن المشكل ليس في توزيع العائدات النفطية بين الأقاليم و شفافيتها كما يسوق لها و ذلك في إستخفاف واضح بعقول المواطنين بل المشكل تكمن في التنازع على الشرعية بين حكومتين .