محمد آحمد
يدور نقاش حاليا حول ماهية النظام الاقتصادي في ليبيا وكيفية تأثيره على الناحية السياسية. وينطلق عدد من المفكرين الليبيين من مفهوم الدولة الريعية الاقتصادي للتدليل على مركزية النظام السياسي القائم على الاعتماد على الثروة النفطية وينادون بضرورة تفكيك النظام الريعي عن طريق التوجه إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط. وتكون النتيجة الحصول على اقتصاد لامركزي متنوع يسهل فيه تفعيل الديمقراطية. الدولة الريعية كمفهوم اقتصادي سياسي جاء عن طريق المفكر الإيراني حسين مهدوي (1971 (ليصف اقتصادات الدول النفطية مثل السعودية وبلده إيران ودول أخرى في منظمة أوبك وخارجها. والاقتصاد الريعي كما هو موضح بالشكل يعني الاعتماد على عائد الصادرات من مورد طبيعي (مثل النفط). ومن هنا فأن الدولة لا تمتلك أي وسيلة للسيطرة على اقتصادها الوطني بل هي في الواقع تحت سيطرة السوق العالمية من ناحية الطلب والاسعار. كما أن العائد الريعي الناتج عن ملكية الدولة للمورد الطبيعي يحتاج إلى سلطة توزيع مركزية مما يهدد بظهور أو تعزيز الأنظمة السياسية الفردية أو الفئوية. بجانب هذا المفهوم هناك تنظير ملاصق عنما يسمى بلعنة الموارد أو الداء الهولندي. وهذا الداء ينتج عن الاعتماد على مورد وحيد للدخل حيث يتسبب في قتل أو إضعاف الأنشطة الاقتصادية الأخرى في المجتمع. وقد لوحظ هذا الداء في هولندا في البداية حين توجهت للاعتماد على النفط ما تسبب في ضمور الأنشطة الزراعية والصناعية في مقابل نمو كبير في القطاع النفطي وتضخم غير مبرر في الجهاز الإداري للدولة والذي انتقلت معظم العمالة إليه. وظيفة علم الاقتصاد أن يقدم حلولا مادية للتأزم المجتمعي وهذا لن يثمر ألا بدقة تشخيص المشكل ومن ثم وصف العلاج الفعال. أن تشخيص المشكل السياسي الليبي بوصفه الدولة الريعية ووصف العلاج بالتنوع الاقتصادي يقفز على حقائق أساسية وهي لب المشكل. جوهر الامر ينحصر في نظري بعدم إمكانية فرض نظام ضريبي صارم يسمح بنقل الملكية العامة للمورد الطبيعي (النفط) إلى ملكية خاصة. هذا لا ينطبق على ليبيا فقط بل قد ينطبق على معظم الدول المنتجة للنفط باستثناء الولايات المتحدة الامريكية. ومن هنا فأن الدولة الريعية التي تستأثر بفائض القيمة من الإنتاج النفطي هي أسلم طريقة للحفاظ على الثروة ضمن الحدود الوطنية. وهناك تجارب أليمة نتجت عن تسرب ملكية المورد الطبيعي إلى الملكيات الخاصة نتج عنها تسرب قيمة هذه الموارد خارج الحدود الوطنية كما حدث في روسيا عشية انهيار الاتحاد السوفييتي وتجارب خضروفسكي ويوكس. الطريقة البديلة التي توصل إليها بعض المفكرين هي تفكيك الدولة الريعية عن طريق تنويع الاقتصاد. التنويع الاقتصادي كسياسة يحمل في ثناياه مخاطرة جسيمة. يجب أن يلاحظ هنا أنه عندما تبدأ الدولة في التنويع الاقتصادي فأن ذلك يسبب نظريا انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي للدولة بسبب تحويل مخصصات استثمارية من صناعة تكون أكثر عائدا لصناعات ناشئة تكون أقل عائدا. بسياسة محكمة التخطيط يمكن بعد فترة زمنية مدروسة عودة النمو الاقتصادي في حال واحدة وهي نجاح الصناعات البديلة وتفوقها على صناعة المورد الوحيد. تجارب التنويع الاقتصادي عالميا متعددة ولكن حـالات النجاح محدودة جدا خصوصا في الـدول المصدرة للنفط، وهو ما أكدته دراسـات امبريقية محايدة. نتيجة لذلك فأن التنويع يتجه عمليا إلى التنويع حول المورد الوحيد وذلك بمضاعفة سلسلة القيمة من العمليات الإنتاجية والصناعية اللاحقة. على سبيل المثال يمكن للدولة الريعية النفطية أن تقوم بتطوير صناعة خدمات الطاقة والتوسع في صناعات البتروكيماويات والمذيبات والزيوت. أن المشاريع المقترحة للتنويع الاقتصادي في ليبيا مثل تجارة العبور وتجارة المناطق الحرة والسياحة هي في الحقيقة مشاريع غير فعالة نظرا لشدة المنافسة الدولية حولنا وامتلاك العديد من المنافسين مزايا تنافسية وبنى تحتية أقوى بكثير من التي نملكها. أما عن ما يثار الحديث حوله من مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية بالذات) فهي لا زالت بعيدة وهو أقل ما يقال عنها. التركيز في المدى القصير في ليبيا ينبغي أن يكون على تطوير الصناعة النفطية ورفع معدلات الإنتاج من النفط والغاز وهو الحل والعلاج الفعال لجر البلد من الازمــة الاقتصادية وعـدم إلهاءها بسياسات التنويع الاقتصادي غير الواضحة. أن تخصيص استثمارات كبيرة لأفكار التنوع مما سيسحب موارد جسيمة يحتاج إليها القطاع النفطي سيتسبب في خفض الإنتاج النفطي على المدى المتوسط. في المدى الأطول يمكن أن يتم التفكير في التنويع بطريقة فعالة عبر دعم التوجه إلى مجال خدمات الطاقة للقطاع الخاص. وهذا لا يعني أن تتوقف القطاعات والنشاطات الاقتصادية الأخرى بل يجب أن لا يتم المغالاة في طرح موضوع التنوع كبديل للاقتصاد المعتمد على النفط بحجة ريعية الدولة. أما الخروج من النظام المركزي فهو قضية سياسية معقدة لا أظن أنها ستمر عبر التنظير للتنويع الاقتصادي بل ربما عبر دعم الاتجاه إلى تطوير قطاع خاص منتج يعمل على خلق الوظائف بدلا من التوظيف العام.