الكهرباء و الأوهام

عبدالحكيم التليب

أحد المغالطات المنتشرة على نطاق واسع هي أن الكهرباء في ليبيا رخيصة، وأن أغلب الليبيون لا يدفعون فواتير الكهرباء.

هذه الأوهام لا علاقة لها بالواقع، فالليبيون يدفعون فواتير الكهرباء مقدما، وهم يدفعون أعلى فاتورة كهرباء في العالم، وأذا تم أخد مستوى الخدمات الكارثي في الإعتبار وأن الكهرباء تنقطع يوميا ساعات طويلة فأن الفاتورة لا تصبح فقط الأعلى في العالم بل أن الموضوع يتحول الى جريمة نصب وإحتيال!

شركة الكهرباء الحكومية الليبيية التي تحتكر قطاع الكهرباء في لبيبا بالمطلق بحكم القوانين الإقطاعية تتحصل كل سنة على المليارات من أموال الليبيون التي تنازل عليها هؤلاء الليبيون في عملية النصب التاريخية الشهيرة، وعملية حسابية بسيطة سوف تبين أن تكلفة الكهرباء في ليبيا هي الأعلى على مستوى العالم، وأن الليبيون يدفعون فواتير الكهرباء مقدما لشركة الكهرباء الحكومية الإقطاعية، رغم أن الوضع الطبيعي يقتضي أن تقوم هذه الشركة بتعويض الناس بالمليارات على الأضرار الفادحة التي يتعرضون لها بسبب تردي خدمات هذه الشركة الديناصورية، خاصة وانها هي الجهة الوحيدة التي تحتكر السوق.

الكهرباء تحولت الى (سلعة) في جميع الدول التي تنتمي الى هذا العصر، وقد أصبح بإمكان المرء أن ينتج الكهرباء ويبيعها بطريقة لا تختلف كثيرا عن إنتاج وبيع الطماطم والمعدنوس، وأنا هنا لا أمزح بل هذا واقع حقيقي قائم، وأغلب حكومات الدول التي تنتمي الى هذا العصر لا تصرف على الكهرباء مليما واحدا، بل أصبحت الكهرباء مصدر دخل لتلك الحكومات عن طريق الرسوم والضرائب التي تجنيها من هذا القطاع.

النقطة الجوهرية البديهية التي يبدو أن ساستنا وخبرائنا المخضرمون لا يزالون غير قادرين على إستيعابها هي أن مشكلة الكهرباء في ليبيا ليست (فنية) بل هي مشكلة تنظيمية إدارية إقتصادية، وتخصيص المزيد من المليارات المنهوبة من الناس لشركة الكهرباء الحكومية الإقطاعية سوف لن يحل المشكلة، وتوريد المزيد من المولدات والمحولات والأسلاك، والسيارات والمكاتب الفخمة، والكمبيوترات، الأيفونات، سوف لن يحل المشكلة، وتوريد الالواح الشمسية في ظل الصيغة الإقطاعية الحالية سوف لن يحل المشكلة، والعجلة المربعة لا تدور ولن تدور حتى بعد مليون سنة أخرى، والنفخ في القربة المخرومة سوف لن يحقق ألا المزيد من إنتفاخ الأوداج وتقطع الأنفاس وضياع المزيد من المليارات.

النقطة الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة هي أن قطاع الكهرباء لا يوجد في جزيرة معزولة بل هو مرتبط عضويا بالقطاعات الأخرى، وتحقيق الإستثمارات في قطاع الكهرباء سوف يحتاج الى صيغة أو تركيبة أو بيئة تنظيمية إدارية إقتصادية تنتمي الى هذا العصر، وسيحتاج الى سياسات نقدية تنتمي لهذا العصر وينفذها مصرف مركزي ينتمي الى هذا العصر، وستحتاج الى نظام ضرائب حديث مصمم لهذا العصر، والى وسائل التمويل والمشاركة والإستثمار الحديثة المصممة لهذا العصر والتي تشمل وسائل أسواق الأسهم والسندات والمصارف الحديثة التي تنتمي الى هذا العصر، وهذه كلها وسائل ضرورية لا غنى عنها لتوفير وسائل التمويل والمشاركة الحديثة الشفافة التي يمكن عن طريقها تأسيس وتمويل الشركات المساهمة العملاقة التي يمتلكها الالاف ويعمل فيها الالاف والتي تصل ميزانياتها الى المليارات، والتي يمكنها أن تقوم بالإستثمارات والمشاريع العملاقة دون أن تكون بالضرورة مملوكة لفرد واحد أو عائلة واحدة بل مملوكة للالاف وربما الملايين من المساهمين والمستثمرين.

الذي ينطبق على قطاع الكهرباء ينطبق بالتمام والكمال على القطاعات الأخرى، وينطبق على الوقود والبنزين الذي لا يزال الكثيرون يتوهمون أنه بنزين رخيص في ليبيا رغم أنه ليس فقط باهظ الثمن ولكنه أيضا مدمر وملوث وقاتل، وينطبق على قطاع الصحة المنهار، والتعليم، والصيد البحري، وينطبق على وزارة السياحة الوهمية في البلد الذي لا يأتي أليه السياح، وينطبق على باقي القائمة الطويلة المزرية.

طريق الاف ميل يبدأ دائما بخطوة، والذين يسيرون على الدرب يصلون، على شرط أن يكون السير في الإتجاه الصحيح حسب الخريطة والبوصلة، وليس ركض عشوائي عبثي، والله المستعان.

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

القائمة