مدخل اقتصادي لمصروف جيب الأطفال

د. محمد أحمد

في أثناء المشوار اليومي للعمل ومع برامج الراديو الصباحية تسمع الكثير من المواضيع التافهة أحيانا والقليل من المواضيع الجدية. اليوم كنت استمع لإذاعة انجليزية ولفت انتباهي الموضوع الذي تناولته المذيعة وهو بمناسبة عودة الأطفال للمدارس وكان يتمحور حول تغير نمط الصرف الفردي والعائلي أثناء العام الدراسي. مثلا الجزء الذي استمعت اليه كان يختص بكيفية إدارة رب العائلة لبواقي النقدية “change” لديه وهو ما نسميه نحن بالفكة ولأول مرة ألاحظ معنى كلمة “فكة” فهي بقدر ما تكون عملات نقدية معدنية أو صغيرة هي فعلا فكة من مشاكل الصرف اليومي العائلي. في أيام الصيف لا يولي رب أو ربة الأسرة عادة لتلك البواقي المتناثرة، وكلما كانت الاسرة حديثة “حديثي الزواج” تكون تلك البواقي أكثر تناثرا في المنزل. الطفل الأول يجعل هذه البواقي تتجمع في أواني أو ما شابه طبعا ليس للادخار بل خوفا أن يبتلعها الطفل وقد تسبب له الاختناق. بمرور الأيام تصبح هذه الاواني منقذا للأم أثناء توحه أبنها أو بنتها صباحا للمدرسة قبل أن يكون هناك نظاما اقتصاديا لتوزيع المصروف اليومي بعد ازدياد عدد الأطفال في الاسرة.

المصروف اليومي للأطفال يتحول عبر تاريخ الاسرة إلى أحد أهم الروابط الاجتماعية التي تربط الاسرة. فهناك عدة اهداف يحققها هذا المصروف. الهدف الأول هو تحقيق استقلالية شخصية الطفل وتجنيب شعوره باحتياجه لمورد مالي خارج الأسرة. فالمصروف لا يعالج فقط مسألة وجبة الإفطار الصباحي بل يجب أن يعطي أيضا نوع من الشعور المستقل للطفل. المشكلة هنا في تفاوت المستويات الاقتصادية بين الأطفال وهو ما يصعب شرحة لعقولهم الصغيرة. مؤسسات تعليمية كثيرة في العالم تفرض سياسات صارمة فيما يتعلق بهذه الناحية مثلا بفرض زي مدرسي موحد، توحيد النظام الغذائي للأطفال وتكاليفه، ضبط الصرف حتى في الرحلات المدرسية خارج المدرسة وغيرها. كل هذه القرارات يقصد بها تفادي الشعور بالفرق الاجتماعي بين الأطفال وهو أحيانا شيء لا تستسيغيه العقول الصغيرة للكبار الذين يعيشون حياتهم بناء على فرض هذه الفروق بين البشر.

مصروف الجيب للأطفال يجب أن يكون محدودا ليس فقط لتفادي أفكار الطبقية والتفاوت الاجتماعي بين الأطفال بل لتفادي وجود فائض مالي يمكن أن يستغله الطفل في مصاريف مضرة تدفعه للانحراف مثل التدخين وتناول المواد الغذائية غير الصحية وهو أقلها ضررا وتمتد إلى تعاطي المخدرات وغيرها. من الصعب تحديد كم يمكن أن يكون هذا المصروف المحدد، أتذكر أيامنا كان “ربع دينار” يوميا وهو يغطي “نصف بالتن والهريسة 100 درهم” و “زجاجة مياه غازية 50 درهم” و 50 درهم ادخار في ستة أيام تفيد للدخول لدار سينما للفيلم الأسبوعي 300 درهم. اليوم طبعا هذا يعتبر نوعا من الجنون ليس فقط من ناحية كمية الغذاء بل أيضا من نواحي الخيارات. في بريطانيا حاليا مثلا المصروف الأسبوعي للأطفال سجل 5.50 يورو للفئة العمرية 8-11 سنة بينما سجل 8.50 يورو للفئة العمرية 12-15 سنة. في هذا الحدود يعتبر علماء الاجتماع هناك أن المصروف لن ينحرف إلى مقاصد سيئة بينما سيكون مرضيا للطفل. لم أجد أي احصائيات أو دراسات للطفل الليبي أو حتى العربي في هذا الخصوص.

أخيرا يجب على أولياء الأمور من الأبوات والأمهات أن يعلموا أن هذا المصروف هو حق للأطفال وإن انتظامه حتى لو كان قليلا هو أمر أساسي في حسن التربية، ويفضل أن يكون يوميا في السنين المبكرة للطفل نظرا لعدم معرفة الطفل بعملية الصرف المبرمج حيث يمكن أن يصرف مثلا المصروف الأسبوعي دفعة واحدة ويبقى باقي الايام بدون مال ما يعرضه لاستغلال الاخرين، وفي هذه المرحلة فأن تنظيم البواقي في المنزل سيكون مهمة صعبة ويفضل أن تقوم بها الأم خصوصا في وجود أطفال متقاربي السن. في الاعمار المتقدمة يمكن الانتقال إلى المصروف الأسبوعي أو حتى الشهري “بفتح حساب بنكي”، وستكون هنا المهمة أسهل ولكن في النهاية برقابة لصيقة من الوالدين.

ومثلنا يمكن أن نتوقع أن ينظم الأطفال اعتصامات ومظاهرات على المصروف المنخفض

حفظ الله أطفالنا وجعل لهم المستقبل المطمئن الآمن

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

القائمة