د. أحمد محمد
وفقا لصندوق النقد الدولي فأن السعر التعادلي للنفط لليبيا هو
للموازنة الحكومية
2020 = 57.9 دولار للبرميل
2021 = 70.3 دولار للبرميل
للتوازن الخارجي
2020 = 59.1 دولار للبرميل
2021 = 70.4 دولار للبرميل
إذا أردت أن تكتشف لماذا هذه الأرقام خطأ والسعر التوازني للموازنة الحكومية في ليبيا يساوي 850 دولار للبرميل في 2020 فتابع القراءة
تهتم حكومات الدول المنتجة بتقدير سعر النفط في السنة أو السنوات القادمة لتقوم بتخطيط ميزانياتها التشغيلية والتنموية ولتتجنب العجز المالي الناتج عن الافراط في الصرف. وتقوم عدة جهات بتقدير السعر التعادلي للنفط المستمد من مستويات الانفاق التاريخية للدولة والذي يتحقق فيه التوازن بين الصرف والايراد.
وحيث أن سعر النفط يتحكم فيه السوق الدولي من ناحية العرض والطلب على النفط كسلعة وهو أمر خارج سيطرة الدول المنتجة من ناحية ولكن من ناحية أخرى فأن قرار الصرف أو الانفاق يعتمد على القرار الداخلي للحكومة بتحديد مستويات الزيادة أو التخفيض نسبة للسنة أو السنوات السابقة. وعلى هذا الأساس فأن عملية التوازن تصل لها الدولة عبر إجراءات داخلية تقوم على منع الإهدار في الصرف وضبط عملية التوسع التنموي بما يتناسب مع المتوقع من الدخل النفطي.
وقد أصبح في السنوات الأخيرة مؤشر صندوق النقد الدولي للسعر التعادلي للنفط من أهم المؤشرات التي تستخدمها الحكومات في التخطيط الاقتصادي. وتقوم منهجية صندوق النقد الدولي على تحديد السعر التعادلي في مجالين أساسيين: الأول هو الموازنة الحكومية والثاني هو التوازن الخارجي، بمعنى أن التوازن عند هذه الأسعار هو صفر.
بالنسبة للمجال الأول فهو يتعلق بالموازنة الحكومية لمدة سنة ميلادية قادمة تحسب فيها المصاريف وفقا لاتجاهات الصرف في السنوات الماضية مع نسبة النمو الاقتصادي المحقق والمستهدف كمتغيرات. وفقا لافتراضات صندوق النقد فأنه لا يدخل في حسابه أي نيات أو توقعات لتقشف حكومي طارئ بل يتوقع استمرار اتجاه الانفاق وفقا للسياسات المالية السابقة واعلانات الحكومة عن الموازنة القادمة. في الطرف الآخر من المعادلة توقع صندوق النقد الدولي يقوم أولا على تقدير سعر النفط في السوق العالمية للنفط وفي هذا الخصوص فأن صندوق النقد الدولي يعتبر من الجهات المتفائلة نسبيا في تقدير سعر النفط في المستقبل مما يعطي وزنا أكثر نسبيا لهذا الطرف في المعادلة، وثانيا يقوم تقدير الصندوق على مستوى الإنتاج المتوقع للدولة في السنة القادمة وفي العادة فهو يأخذ مستويات الإنتاج في السنة الماضية أو الطاقة الإنتاجية المتوقعة. هذه العملية بقدر ما هي بسيطة ألا أن هناك بعض التعقيدات تشوبها، فمثلا كيف يمكن توقع مستوى انتاج إيران أو ليبيا. في الجدول المرفق ستلاحظون أن السعر التعادلي للموازنة الحكومية لإيران مرتفع جدا يصل إلى 300 دولار/برميل، السبب هنا أن الصندوق يفترض أن العقوبات الامريكية ستستمر ضد إيران في سنة 2021 وسيبقى انتاجها مضغوطا في٩ مستويات مليون برميل يوميا مقارنة بطاقتها الإنتاجية وهي 3 مليون برميل يوميا. بينما في حالة ليبيا فأنه من الواضح أنه يفترض طاقة إنتاجية مرتفعة في 2021 ورغم أن الجدول لا يفصح عنها ولكن وفقا لحساباتي فهو يفترض معدل انتاج 1.2 مليون برميل يوميا.
بالنسبة للمجال الثاني وهو السعر التعادلي للتوازن الخارجي وهنا يستبدل الصندوق “المصاريف والايرادات” بـ “الصادرات والواردات”. الافتراضات الأساسية عن مستوى سعر النفط في السوق الدولية ومستوى انتاج كل دولة يظل ثابتا في هذا المجال. ومن خلال حساب الصادرات النفطية من خلال توقع الإنتاج النفطي ومستوى الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية مضافا إليها الصادرات غير النفطية المحققة خلال السنة مع تعديلها بمستوى النمو الاقتصادي يصل الصندوق لاشتقاق طرف الصادرات، أما الواردات فيحسب الصندوق مستوى الواردات في السنة الماضية ويعدلها بنسبة النمو الاقتصادي للدولة. المستوى الذي يحقق الصفر التعادلي يحسب عنده السعر التعادلي الخارجي. تلاحظون طبعا في الجدول تقاربا نسبيا بين المجالين لمعظم الدول عدا إيران الذي يصل فيها الفرق لأكثر من 250 دولار للبرميل، هذا مرده بالطبع إلى تنوع الصادرات الإيرانية مما يخفف الضغط في مجال التوازن الخارجي.
الآن نصل إلى إجابة سؤالنا لماذا هذه الأرقام خطأ بالنسبة لليبيا
الإجابة واضحة فليبيا حقيقة لم تنتج في 2020 أكثر من 100 ألف برميل يوميا على أقصى تقدير كمتوسط سنوي، هذا بدون أي حسابات دقيقة لا يغطي سوى جزء بسيط من الموازنة الحكومية التي بلغت 45 مليار دينار أو 32 مليار دولار بالسعر الرسمي. بحسبة عزايز فأن ليبيا تحتاج في سنة 2020 إلى سعر توازني قدره 850 دولار/للبرميل لتجعل الموازنة الحكومية صفر.
بالنسبة لسنة 2021 فأن الافتراض بأن ليبيا ستنتج 1.2 مليون برميل يوميا قد يكون متفائلا أكثر من اللازم لذا فأن سعر توازني يدور حول 70 دولار لتحقيق التوازن هو أمر مضلل جدا.
المشكلة في رأيي لماذا لم يستدرك الصندوق هذا الخطأ الواضح بالرغم من الدلائل والمؤشرات الواضحة والتي قام الصندوق بأخذها في الاعتبار عندما قدر السعر التوازني لدولة إيران.
الامر لا يخرج عن احتمالين، الأول هو اهمال واضح من موظفي الصندوق وهو أمر وارد ولكنه في الحقيقة ضعيف الاحتمال
الاحتمال الثاني وهو غرض سياسي لتضليل الأجهزة الحكومية الليبية وهو للأسف يتسق مع العديد من توجهات المجمع الدولي في ليبيا. هذا قد ينبع أما من تقليل المنظمات الدولية من قدرة النخب على اكتشاف مثل هذه التقديرات المغلوطة وهو أمر لن يمر مطلقا على دولة بحجم إيران على سبيل المثال، أو من نظرية للمؤامرة حقيقة لا أملك أي أدلة على وجودها ولذا اقفز عليها