سليمان الشحومي
الفساد في الدولة الليبية و مؤسساتها العامة و الخاصة صار مضربا للمثل و مدعاة للسخرية عالميا ووسيلة لتحقيق نوع من العز و الوجاهة الاجتماعية محليا ، وصار الليبيون يعرفون الفاسدين و السارقين ويصفونهم تهكما بالمرموقين ، فلا سلطان عليهم و هم يفعلون ما يريدون و يفسدون كما يشاؤن ، فالبلاد بالنسبة لهم تعيش احسن اوقاتها منذ سنوات في عصر ذهبي للفساد منقطع النظير .
اموال حكومية تنفق يمينا وشمالا و لم تتحقق اي شي حقيقي علي ارض الوطن او للمواطن في تلبية حاجاته الاساسية واستمرت جيوبه فارغة علي حساب توسع جيوب فئة محدودة استغلت الظروف وباعت الوهم للناس وقبضت الثمن.
ما يحدث من محاولات كشف الستار عن الفساد بانواعه عبر تحقيقات قضائية شملت وزراء و نواب و عمداء بلديات و مدراء شركات حكومية ليس الا القدر اليسير و القليل مما عليه واقع الحال ، فالفساد صار نظاما له ثوابته الراسخة في الدولة الليبية.
الواقع ان مجابهة الفساد عبر حصر المخالفات علي مستوي الوحدات الحكومية و احالتها للتحقيق يحتاج الي اطار قانوني و اداري منظم يعمل كطبقة عازلة شفافة تمنع الاختراقات و تحد من القدرة علي التحكم المفرط في المال العام و ادارته دون قواعد محكمة او محوكمة ، فكما هو معروف ان العدالة تاتي دائما متاخرة وتاخذ وقت بعد وقوع جرائم الفساد المالي المنظم وقد يكون ذلك ثمنه افلات الاطراف المستفيدة و الدافعة للقيام بالفساد من العقاب .
الحرب الاهلية التي اسهمت في تعميق الفساد اكثر و اكثر و ابرزت اقطاعيين جدد و اصحاب ثروات زادت من حجم المعاناة التي يعيشها المواطن و خرقت جدار الصمت عندما طغي الفساد علي السطح و فقدت الناس الكهرباء و المرتبات و انهارت منظومة القيم و العدالة الاجتماعية و الاقتصادية ببلادنا.
قبل ان نذهب الي القضاء و تقوم الجهات الرقابية بكشف المستور و تعلن عن ابواب الفساد المشرعة بليبيا لابد ان نعيد تقييم وترتيب آليات و برامج الانفاق العام ونغلق كل ابواب الفساد و نفتح ابواب الشفافية و العدالة الاجتماعية و الاقتصادية للجميع.
قواعد حوكمة و شفافية تضعها الحكومة لكل من الوحدات العامة و المؤسسات الحكومية الاخري تتضمن قواعد الادارة و الصلاحيات و اتخاذ القرارات علي مستوي مجلس الادارة و الادارة التنفيذية و تفعل عمل مجالس الادارات علي اسس مشاركة حقيقية في صناعة القرار بعيدا عن التدخل في العمل التنفيذي عبر لجان مجالس الادارة المتخصصة في رسم السياسات مثل لجنة المخاطر و لجنة الاستثمار و لجنة المراجعة والرقابة المالية و لجنة المكافاءات و التعويضات وغيرها حسب طبيعة كل نشاط و تتضمن قواعد الحوكمة اجراءات و آليات الارتباط بالنفقات وسبل طرح العطاءات و المناقصات بشفافية و سبل الانفاق و نشر التقارير عنها بكل شفافية لتعزيز المساهمة و الرقابة المجتمعية سواء علي مستوي البلديات او الوزارات او الشركات الحكومية.
اول الخطوات لمواجهة جائحة الفساد الليبي هو تبني قواعد حوكمة مثل اللقاح لمواجهته و تضع اطار عام بالدولة الليبية يرتكز علي قواعد للشفافية و المصداقية و الوثوقية و تحمل معاييرالانجاز علي كل مستوي من المستويات الحكومية و تفصل بين الاختصاصات و تضع آليات للرقابة الداخلية و المجتمعية ، وبعد ذلك كله يأتي دور المؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة و الرقابة الادارية و اخيرا القضاء كرادع و مانع لممارسات الفساد