أحمد محمد الشحاتي
مع نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الكثير من الحواجز التجارية وتبني اتفاقية جات والتي تحولت في السبعينات إلى “منظمة التجارة العالمية” انتشر نموذج أعمال جديد مبني على امتداد الشركات الوطنية خارج حدودها فيما أصبح يعرف بالشركات المتعددة الجنسية. هذا النموذج يختلف عن النموذج السابق الذي كان يتمحور حول شركة وطنية مع فروع لها في الخارج مثل شركة الهند الشرقية وشركات النفط الامريكية. النموذج الجديد تمتعت فيه الامتدادات الخارجية بشيء من الاستقلالية ما سمح لها بالاحتفاظ بسجلات إدارية ومحاسبية مفصولة نظريا إلى حد كبير عن الشركة الأم.
النموذج بدأ بشركات تنتمي إلى الغرب أساسا ذات قدرات مالية وتكنولوجية كبيرة وكان الهدف منها أما زيادة التصدير إلى الدول الأجنبية أو تشجيع الاستيراد منها إلى الدولة الأم. في ظل هذا النظام فقد كانت الدول الكبرى متحكمة بشكل كبير في النظام الضريبي المصاحب لهذا النموذج. على سبيل المثال فأن الشركات العالمية للنفط كانت تسعر نفطها في نقطة “خليج المكسيك” وكانت معظم نواقلها تعمل تحت اعلام دولها مثل الولايات المتحدة او بريطانيا. كان من السهل على السلطات الضريبية أن تكتشف الدخل الحقيقي للشركات حتى وأن تم تحقيقه في الخارج وبطريقة أو أخرى فأن هذه السلطات كانت تجمع الحصيلة الضريبية بناء على ذلك.
مع تفكك الأسواق اقليميا وزيادة حاجة الدول النامية إلى الحصيلة الضريبية وتغير قواعد التجارة الدولية من حيث استطاعة جهات أقل قدرة على تأسيس شركات تجارية فقد وجدت دول كثيرة الفرص المالية في سحب البساط من تحت الدول الكبرى لتوجيه جزء من الدخول المالية للشركات العابرة للجنسية إليها.
اليوم تجد القليل مثلا من السفن سواء كانت تجارية أم نفطية مسجلة في أحد الدول الكبرى حيث توجهت معظم الشركات لتسجيل سفنها في دول ثالثة مثل بنما، ليبيريا للتهرب من المسئوليات الجنائية في حال حدوث تسرب نفطي مثلا، أو مبالغة في الرسوم وهكذا.
الظاهرة امتدت للكثير من رجال الاعمال والمستثمرين الذين وجهوا أعمالهم واستثماراتهم إلى دول تفرض ضريبة تجارية أقل تصل أحيانا إلى الصفر لمجرد الحصول على ما يصاحب وجود هذه الشركة على أرضهم من ناحية توفير الخدمات والسلع والحياة الاجتماعية.
دولة البحرين مثلا توفر هذه الميزة دول في أوربا مثل آيل أوف مان كذلك. دولة مثل إيرلندا يقوم جزء كبير من اقتصادها على استجذاب الشركات إليها عن طريق فرض ضريبة منخفضة 12.5% ومع وجود اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للدولة وكذلك التجمعات الإنسانية والخدمات التعليمية والصحية فأن ذلك يوفر بيئة اقتصادية جاذبة للشركات العابرة للجنسية لتأسيس مقراتها هناك.
الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة يبدو أنهم قد وصلوا إلى منتهاهم في التحمل بالمنافسة غير المنضبطة في هذا المجال. اليوم وزراء مالية مجموعة 7 G7 وبضغط من الولايات المتحدة الامريكية يناقشون وضع أرضية ضريبية لا تقل عن 15% على الشركات في كل الدول. الفرق الذي يمكن أن تحققه شركة معينة من تواجدها في دولة تفرض ضريبة منخفضة سيتم مصادرته من أي دولة كتعرفة جمركية من الدولة المتضررة من تواجد هذه الشركات خارج أراضيها.
في حال الموافقة على هذا الاجراء التجاري فأن الكثير من الدول النامية ومن ضمنها ليبيا سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص ستتأثر به حيث تحتفظ بالكثير من تسجيلات أصولها في الدول ذات الضرائب المنخفضة.