مَـــقالْ / عبدالرزاق الداهش
ثلاثة أسئلة تستدعيها ذاكرة المكان، وأنت تطل من نافذة الطائرة، وهي تغادر مطار “آل مكتوم” متوجهة في محطة أخيرة إلى طرابلس.
تبدو دبي وهي مستلقية على رمال الصحراء كخليط من أساطير ألف ليلة وليلة، دون أن تفقد صورتها المستوحاة من حي “منهاتن”.
ـ كم ساعة ستأخذها رحلة الوصول إلى ليبيا؟ والأهم هو: كم تحتاج ليبيا من زمن في مشوار الوصول إلى دبي؟
قبل نهاية القرن التاسع عشر لم يكن في هذه البقعة التي تعيش على حافة الجغرافيا سوى بضع مئات من عشيرة “بني ياس” وفي مطلع القرن الواحد والعشرين كان هناك مليونين وربع المليون لا يشكل الإماراتيون منهم إلا خمسة بالمئة.
ـ هل الصدفة الجغرافية هي التي جعلت دبي عاصمة اقتصادية عالمية، وبوابة بين أكبر القوي المنتجة في جنوب شرق أسيا، وبين أكبر القوى الاستهلاكية في الشرق الأوسط وغرب أوروبا؟
ـ هل الأجنبي الذي يشكل أكثر من تسعة أعشار سكان الإمارة، وثقافة عدم التمييز ضد الأجانب وراء سر تحولها من خيمة قبلية إلى زقاق كوني؟
تبتعد الطائرة عن ذلك المطار الثالث في العالم من بين المطارات الأكثر تطورا ليصل إلى طاقة استيعابية تلامس المئة مليون مسافر سنويا، وأزيد من عشرة ملايين طن بضائع.
تبتعد الطائرة عن تلك الإمارة التي تستقبل أكثر من عشرين مليون سائحا سنويا وهو ما يعادل ضعف عدد سكانها عشرة مرات.
ولكن أكثر من المسافة بين دبي، وطرابلس هناك أكثر من ثلاثة فوارق مهمة، فالنفط يشكل في اقتصاد دبي أقل من خمسة بالمئة، بينما العكس تماما في ليبيا، والسكان حيث يشكل الإماراتيين قرابة الخمسة بالمئة من سكان الإمارة، بينما العكس تماما في ليبيا، والجغرافيا حيث يحيط بدبي المستهلك الأكثر قوة شرائية في العالم، بينما يحيط بليبيا حزام من الفقر يتدرج، إلى الأقل قوة شرائية في العالم.
تطل عبر النافذة، لترى البساط الأصفر، تستدعي ذاكرتك ما أدلى به نائب إيطالي عندما وصف ليبيا ذات مرارة بصندوق الرمل، وتكتشف لغير سبب أن ليبيا لن تكون مثل دبي، ولكن نستطيع أن تكون مثل ليبيا التي نريد.