مَـــقالْ / د.محمد أحمد الشحاتي
خلال الاسبوع الماضي فجأة وبخلاف كل التوقعات التي كانت سارية منذ ثلاث اشهر مضت قفزت اسعار الغاز الطبيعي في السوق الفورية لكل انواع الغازالطبيعي عبر اجزاء كثيرة من العالم لتصل الي 25 دولار /مليون وحدة حرارة بريطانية ، الاستثناء الوحيد هو الغازالامريكي لمنصة هنري هب
لغير المختصين يمكن الاخذ بالمقارنات التالية
الاسعار الحالية للغاز الفوري تعادل 145 دولار /للبرميل مكافئ نفط
وهو اكثر بمعدل 600٪ عن مستوى سعر عام 2020 الذي سجل 4.30 دولار / مليون وحدة حرارة بريطانية
وهواعلى بمعدل 15 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية عن اسعار العقود طويلة المدى للغاز الطبيعي المسال
هذا التطور الفجائي في الحقيقة صدم كل المراقبين لسعر الغاز ، فالكثير منهم تجاهل الاشارة المبدئية لحركة السعر الي اعلى عندما خبط مستوى 30 دولار/مليون وحدة حرارة بريطانية او 174 دولار/برميل نفط مكافئ في شهر يناير هذه السنة وقد تم القاء اللوم حينها على نقص المعلومات في السوق مما اخرج السعر عن القواعد المحددة له.
ما هي هذه القواعد؟؟
القاعدة الاولى
هي ان يكون سعر الغاز اقل من سعر النفط بمعيار دولار/برميل مكافئ نفط ويمكن تتبع هذا السلوكين خلال الرسم المرفق وهو ما تقوم عليه جميع انظمة المضاربة على سعر الغاز الطبيعي سواء في آسيا او اوروبا
القاعدة الثانية
هي ان الفروق بين الاسعار الموسمية للغاز لاتتجاوز 20-30٪ موسميا حين تكون الاسعار في الشتاء في النصف الشمالي اكثر قوة
القاعدة الثالثة
ان هناك وفرة في معروض الغاز نتيجة بناء شبكات انابيب عابرة للقارات من روسيا وشمال افريقيا الي اوربا مع تدفق الغاز المسال من استراليا وماليزيا وقطر بكميات ضخمة هذا ما اضيف له تدفق كبير من الولايات المتحدة بعد ثورة الغاز الصخري هناك
القاعدة الرابعة
ان التحول السريع الي الطاقات المتجددة سيضعف ويحدد اي حركة تصاعدية لاسعار الغاز الطبيعي خصوصا ان طاقات الشمس والرياح تستهدف نفس شريحة الغاز الطبيعي في سوق الطاقة وهي توليد الكهرباء
ولكن
فجأة وللمرة الثانية على التوالي في فترة اقل من سنة بكسر الغاز كل هذه القواعد المحددة لحركته ليصل الي مستويات قياسية ويجبر كل المتنبئين بما فيهم المشعوذين امثال ليلى عبد اللطيف على ابتلاع السنتهم
هناك ابعاد متعددة للموضوع وربما هناك بعض نظريات المؤامرة تحوم حوله:
البعد الاول
هو مدى استدامة هذه الاسعار مستقبلا وهنا يمكن القول ان هذا المستوى لا يمكن دعمه على المدى الاطول حيث سيتجه المستهلكين للغاز لتغيير مصادرهم وفعلا فان شركات الكهرباء اليابانية اكبر مستهلك في العالم للغاز اعلنت انها بصدد تفعيل الانظمة البديلة التي تعتمد على المنتجات النفطية او حتى الفحم للتخفيف من الضغط على سعر الغاز
البعد الثاني
يتمثل في مدى تاثير هذه القفزة في سعر الغاز على مسار سعر النفط وهنا يمكن الاشارة الي ان ارتباط سعر الغاز بسعر النفط حقيقة مؤكدة ليس من ناحية الاستهلاك فقط بل ايضا من ناحية تكامل الانتاج والتوقع البسيط المباشر هو ارتفاع نسبي لاسعار الديزل واسعار زيت الوقود الثقيل اللذان يعتبران وقود بديل للغاز واذا ما حسبنا الفرق بين سعر الغاز وسعر النفط نجده يصل الي 70 دولار للبرميل وهذا يعني ان اللقاء في المنتصف سيكون عند 35 دولار للبرميل مما قد يشير الي تحرك سعر النفط باتجاه 100 دولار للبرميل
البعد الثالث
ينعكس هذا البعد في عملية تاثير سوء تقدير سرعة التحول الي مصادر الطاقة المتجددة بالتفاؤل اكثر مما يتيحه واقع الحال، هذا سينتج تعطل في استثمارات النفط والغاز وهو ما يمكن ان نشهده بصورة متكررة مهددا استقرار اسواق الطاقة عبر العالم
البعدالرابع
وهو ما يقال عن مؤامرة روسية تهدف الي التحكم في عرض الغاز الطبيعي والذي قد يكون مخططا كرد فعل على نظام العقوبات الاقتصادية الامريكية والاوربية ضد موسكو وهو امر قد يطول من الناحية العملية بسبب تزايد القوة الاحتكارية التي تتمتع بها روسيا في سوق الغاز خصوصا في ظل تراجع الانتاج من بحر الشمال ومشاكل التزويد عبر البحر المتوسط