حصاد حكومة الوحدة الوطنية في 180 يوم

مَـــقالْ / د. عبدالله ونيس الترهوني

عاشت ليبيا معاناة وسنوات صعبة جداً في الفترة الممتدة بين 2014 و 2020 حيث عانى خلالها 90% من أبنائها شظف العيش و مرارة الحياة، وارتفع خلالها مستوى الفقر وتقلصت أعداد الطبقة الوسطى وذلك بسبب تراجع قيمة الدينار الليبي أمام سلة العملات الأجنبية ، ومازاد الطين بلة هو توقف صرف علاوة العائلة التي أقرها المؤتمر الوطني العام بالقانون رقم 27 لسنة 2013، وتوقف دعم بعض السلع الاساسية كالزيت والسكر والدقيق.

جاءت حكومة الوحدة الوطنية بعد انقسام وتشظي وحروب طاحنة، وبالتالي فإن كل خطوة ستخطوها هذه الحكومة في الإتجاه الصحيح ستكون لها ردة فعل ايجابية، وفي المقابل فإن أي خطوة ستخطوها في الاتجاه الخطأ لن تغير من الواقع في شئ لأنه سيئ من الاساس، وفي كل الأحوال فإن الهدف من وجود حكومة الوحدة الوطنية هو توحيد المؤسسات الحكومية والوصول للانتخابات بنهاية العام الجاري، ولابأس إن عملت الحكومة على تحسين مستوى معيشة الليبيين بالرغم من قصر عمرها.

يُحسب لحكومة الوحدة الوطنية أنها قامت ببعض المعالجات كتوفير (تحسين)السيولة والوقود، ونقل بعض الاختصاصات للبلديات، كما يحسب لها أيضاً أنها أستأنفت صرف علاوة الاسرة المتوقفة منذ سنوات والتي أقرها القانون رقم 27 لسنة 2013، وأنها شرعت أيضاً في توزيع مُنح الزواج تنفيذاً للقانون رقم 5 لسنة 2019.

فيما يخص المرتبات، فقد تم خلال شهر أكتوبر الجاري رفع الحد الأدنى لمعاشات المضمونين، وإن صاحب هذه الزيادة خلل في التمويل، وقد تم قبلها تضمين الزيادة في مرتبات شريحتي المعلمين والشرطة ليتم صرفها في الاشهر المتبقية من العام الجاري، ولكن تم استثناء فئات (شرائح) أخرى كان من المفترض أن تشملها الزيادات، وهي الشرائح الواردة بكتاب رئيس الحكومة رقم 4759 المؤرخ في 14 يونيو 2021 والموجه لرئيس مجلس النواب، وهذه الزيادات الغير مدروسة إن تمت بالفعل ستكون سلبياتها اكثر بكثير من محاسنها، أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر إضراب العاملين بقطاع التعليم العالي، وتلويح العاملين بقطاع النفط بالاضراب، ناهيك عن الآثار الاقتصادية السلبية المصاحبة لها.

من جانبي أرى أن حكومة الوحدة الوطنية كان الأولى بها اتخاذ خطوتين إثنين أبسط بكثير من الزيادة في مرتبات شرائح بذاتها، وهاتان الخطوتان سيكون لهما آثار ايجابية على مستوى معيشة كل الليبيين في حال تبنيهما من قبل الحكومة وهما:- خفض سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي أي بمعنى زيادة القوة الشرائية للدينار الليبي أولاً، والعمل على تذويب الفوارق أو ردم الهوة ((Gap بين مرتبات الليبيين ثانياً، والذي يتم من خلال إقرار جدول أو جداول مرتبات متقاربة لأغلب الشرائح خصوصاً أن مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية قد اتخذ قراراً بالخصوص حمل الرقم 212 لسنة 2021.

من بين المآخذ على السلطة التنفيذية في ليبيا برأسيها الرئاسي والحكومة هو التوسع في أعداد حقائب الحكومة والذي صاحبه توسع في الانفاق، ومن الملاحظ أيضاً أن السلطة التنفيذية قد أبقت على الأعداد الغفيرة من العاملين في السفارات والمندوبيات والبعثات الليبية بالخارج والتي تجاوز عددها المائة وهي التي ترهق الميزانية، خصوصاً أن العدد الذي تحتاجه ليبيا منها لايتجاوز 30 في أحسن الأحوال ، وأن أعداداً من بين موظفي هذه البعثات قد تجاوزوا مدة عملهم، كما أن اعداداً أخرى منهم هم غير مؤهلين للقيام بهذا النوع من العمل، في حين أن بعضهم يحمل جنسية مزدوجة رغم انه يمثل دولة ليبيا، كما أن الحكومة لم تلتفت للشركات المتعثرة ولم تسع لحل هذه المعضلة التي ظلت تُرهق الاقتصاد الليبي على مدى سنوات طويلة.

من نافلة القول أن ليبيا مضطرة لتنويع اقتصادها والابتعاد عن النفط كمصدر دخل ريعي ووحيد لأسباب يطول شرحها، مع الاخذ في الاعتبار أن النفط في ليبيا كان وسيبقى سبباً من اسباب الصراع ومغذياً رئيسياً له، وأن المعضلة في ليبيا هي في كيفية ادارة الموارد وليست في الموارد، وبالتالي فإن الابقاء على تمويل الميزانية من رسم بيع الدولار كما هو عليه الحال منذ العام 2018 هو نوع من العبث أوالهروب إلى الامام، وبدوري أرى أن الحكومات الليبية القادمة مُطالبة بإصلاح هيكل الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستدامة المالية العامة.

في ذات السياق، فإن دولة ليبيا مُلزمة بالبحث عن مصادر دخل أخرى غير النفط، وذلك من خلال الإعتماد على الموقع الجغرافي للبلاد والموارد المتاحة والمتوقعة، والتحول من حالة الكسل والتراخي التي يعيشها غالبية الشعب الليبي إلى حالة نشاط، وأن الضرورة تقتضي أن تتحول ليبيا الى ورشة عمل كبيرة تكون أشبه بخلية نحل إذا أرادت النهوض، وبالمناسبة فإن كلامي هذا عن تنوع المصادر ليس بجديد لأن اغلب المصادر البديلة للنفط في ليبيا هي محل دراسات وأبحاث خلال السنوات الماضية، وبهذه المناسبة أقتبس بعض ممانشره الدكتور محمد ابوسنينة قبل انقضاء شهر سبتمبر 2021 في أن: الأوضاع الاقتصادية للبلاد لن تتغير ، وأنه لن يتحسن مستوى معيشة السكان ، ولكن تنكسر الحلقة المفرغة التي يعمل فيها الاقتصاد الليبي، ولن تتحقق استدامة المالية العامة مالم يتم تغيير أسلوب ادارة الموارد الاقتصادية، وأن هناك ضرورة لتسخير المقومات الذاتية للاقتصاد الليبي لتحقيق التنمية وتعزيز تنافسية الاقتصاد.

وأضاف بوسنينة أن الضرورة تقتضي مراجعة السياسات العامة الحالية (العقيمة) بل والتخلي عنها، وضرورة الإعتراف بالاخطاء التي تعتري السياسات الاقتصادية والتنموية المطبقة حالياً، والاقرار بعدم جدواها في بناء اقتصاد انتاجي تنافسي، والاعتراف كذلك بفشل هذه السياسات في تحقيق طموحات الناس والرفع من مستوى معيشتهم، وأنه لن تنكسر الحلقة المفرغة للتخلف والفساد والجمود الفكري مالم يتم تنويع الاقتصاد، بل واعتبار أن التنويع اولوية قصوى والذي لابد أن يكون وفقاً لإستراتيجية واضحة الاهداف وقابلة للقياس ضمن إطار زمني محدد بهدف التخلص من الطبيعة الريعية للاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، والقضاء على الفساد وتحقيق الرفاه

الأكثر قراءة

مساحة إعلانية

المزيد من الأخبار

القائمة